لم يتوقع أحد أن الكولونيل الأميركي أنطوني شافر الذي خدم في إحدى القواعد الأميريكية سنة  2003 بين أفغانستان و باكستان  سيعود  بفكرة كتاب يزعزع البنتاغون و يهز أميركا، و يرفعه بين ليلة و ضحاها من مرتبة كولونيل في الجيش إلى مرتبة نجم يتصدر الصحف والإعلام الأميريكي و العالمي، و إلى رجل خطير قد يهز أمن أميركا كلها...أما الناشر فقد حقق حلما ببيع طبعة بأكملها من عشرة آلاف نسخة في لمح البصر، و كل هذه الكميات قرأها أفراد قلة من الذين لا يفشون السر في أخطر و أقوى جهاز أمني في العالم. غير ذلك تشهد ألسنة النار التي التهمت نسخ الطبعة كلها أن الكتاب كان دسما و قد سبب عسر الهضم لأقوى رجالات أميركا في صرحهم المحصن.
الصحافة من جهة تلاحق الكولونيل الذي رضخ للمؤسسة العسكرية رغم تمرده المؤقت، و لاذ بالصمت.
و كل ما يكتب هنا و هناك مجرد تخمينات و قراءات لما حدث، مع صورة الكولونيل الذي عرف البنتاغون كيف يخرس ثرثرته.
و تظل معارفنا جميعا من أميركا إلى أوروبا إلى العالم العربي الذي تحمس للخبر أكثر من غيره، مجرد فكرة هلامية تحوم حول عنوان قد يعني الكثير و قد لا يعني شيئا، قد يكون مجرد تفاصيل لعملية عسكرية وسخة، و قد يكون غير ذلك تماما، فأبعاد السر الذي التهمته النيران إختفى تماما و توقف عند عنوان يشبه العمليات العسكرية الأميركية في بلاد الله الواسعة، كما يشبه عناوين أفلام هوليود حول الموضوع نفسه، " عملية القلب الأسود"...عن أي عملية كان يتحدث؟ و هل ما أثاره من ضجة ظل متعلقا بمحتوى الكتاب أو بامر آخر إرتبط مباشرة بمستوى الرقابة في أميركا التي تظل نموذجا للعالم الحر الذي يستوعب كل المتناقضات و يعرف كيف يسيرها دون أن تتصادم.
بالنسبة لي الديموقراطية و الحرية عنوانان لنوع من التسير و الإدارة ليس أكثر، و ليسا بالضرورة فلتانا كاملا لكل من يريد أن يدلق دلوه في واجهة الإعلام أو سلوكه اليومي، فالإنسان حتى في الكتب السماوية كائن طماع و قابل لتجنيده حتى ضد خالقه ، و الخالق أيضا كان شديد العقاب مع أول خرق لقانون من قوانينه.