الغالية ندى الحاج:

كان الوقت ضيقا لأخبرك عمّا تركه في نفسي أنسى الحاج من محبة لشخصه و إحترام عظيم أكنه له.

و لكن صور الماضي كله مرّت أمامي و أنا أقف في آخر صف في كنيسة مار يوسف بالأشرفية للصلاة على روحه و توديعه

كانت الرؤية أوضح من الخلف لأرى طوائف لبنان المختلفة و من فرّقتهم السياسة يقفون جميعا وقفة خشوع أمام جثمانه، لا أحد تنصل اليوم من شبهة الصلاة في كنيسة مارونية، فالرب واحد، و أنسي الحاج بقامته الباسقة جمع المسلمين و الدروز و المسيحيين و الملحدين في بيت واحد من بيوت الله و كلهم رددوا جميعا " يا رب ارحم" ...

وحده جمع هذا الكم الهائل من  المتخاصمين منهم و المتحابين، و لا شاعر قبله فعل ذلك، و لعله في آخر المطاف جعلنا نصدق  أن للشعر مفعول السحر لتهذيب النفوس و ملئها بالطمأنينة.

كل الكلام الذي أريد أن أدونه  الآن عالق في حلقي، كما كل الصور التي علقت بالذاكرة بتفاصيل  عن عملاق صافحني باحترام و أنا أحلُّ " نكرة" على  بلده ...

أريد أن أقول أنه رجل محترم جدا، محترم فوق العادة ، محترم يا رب ...محترم ....

و لعلّك تفهمين أن هذا الوصف أصبح يفوق قدرات اللغة، إنه شيء يولد في الداخل، هنا حيث القلب ،  ينمو مثل جنين في رحم أمه، يتغذى من مشاعرنا الجميلة حتى يكتمل، ثم يولد كمعجزة إلهية توصف بالدهشة و ليس بالكلمات. هكذا وقفت أمام أنسي الحاج منذ 18 عاما، و هكذا كان إنطباعي الأول عنه و لم يتغير أبدا، كان من الثوابت القيّمة للبنان و سيظل...

كان من الأيقونات الأدبية النادرة في العالم و سيظل ...

كان هنا و سيظلّ...

لقد عجز الموت عن إختطافه كاملا، رأيت ذلك ...رأيته جليا ، حين نقل جثمانه إلى مسقط رأسه، حين أغلقت أبواب السيارة السوداء و انطلقت و بقي هو قبالة  ساحة مدرسة الحكمة يبتسم ...