منذ سنوات التقيت الشاعر العبقري سعيد عقل ، منذ أكثر من خمسة عشر سنة، كان يمشي في شارع الحمرا، قرب مقر جريدة النهار القديم، استوقفته و سلمت عليه، و قدمت له تحياتي و إحتراماتي لأنه طالما احترم المرأة الشريفة، و طالما دافع عن حقوقها، و دافع عن قيمة الشعر الحقيقي لأن المرأة سببه ...
قلت ما لدي و استمع إلي و كأنه يعرفني منذ طفولتي، أدشهته لأني جزائرية و أعرفه جيدا، أرضيت غروره و شعوره بالعظمة من حيث لا أدري، فأنا عرفته من خلال ما غنته له فيروز، " غنيت مكة" و " يا قدس" ..و "يارا اللي جدايلها شقر" ...
كنت قادمة من الجزائر " طازجة" و في رأسي الصغير الإسلام دين الجميع، و الدين الوحيد الذي يجب أن يعتنقه كل الناس...
كنت أشرح له إعجابي بقصيدته " يا قدس" كملحمة إسلامية لن تتكرر في التاريخ، و لكنه نظر إلي و كأني أقول له أن الأرض مسطحة...!
يومها وقف وقفته العظيمة، و رفع رأسه عاليا، و قال لي بلهجته الجبلية المميزة :" عفوا ، هل قلت أنك جئت من الجزائر؟"
شعرت أني أخطأت في شيء ما...ارتبكت و أردت أن أشرح و لكنه قاطعني و قال :" أنتم تعيشون في سجن كبير فكيف ستعرفون أن العالم زاخر بألوان من البشر، و أن سعيد عقل مسيحي ، لبناني "
تحت شمس أوت بقي واقفا يلقي علي محاضرته، حول أصول العرب و الفينيقيين و الأمازيغ و كل شعوب العالم، و أنا التي كنت أتصبب عرقا و خجلا لقلة معلوماتي وددت لو يسكت...
لكنه فاجأني بسؤال مفاجئ:" كم تدفعون؟"
و هنا أصبح لوني بنفسجي ...نحن جريدة لا تدفع حتى لموظفيها فكيف ستدفع لشاعر تحاوره؟
كنت أراسل جريدة جزائرية لا داعي لذكر إسمها
عقل العظيم ، بصوته الفخم و بحته المميزة ألقى علي محاضرة ثانية حول قيمة الشاعر ...
و شرح لي بالتفصيل الأغرب في حياتي كيف أن الكاتب يجب أن يحفظ حقوقه بنفسه إن لم تكون هناك هيئة تحفظ حقوقه.
كان لقاء استثنائيا إذن مع سعيد عقل " العظيم" و كنت حينها قد أخذت منه حوارا نادرا دون أن أدفع قرشا واحدا، و دون أن أقبض قرشا واحدا أيضا..
التقيت شاعرنا فيما بعد بسنوات حين نالت الصديقة رولا عبد الله جائزته في نقابة الصحافة ببيروت ..
ثم حين نالتها إيميلي نصر الله للمرة الثانية...
كنت منبهرة بحبه للبنان، كان يكرر لبنان أعظم من فرنسا، لبنان أعظم من أميركا، لبنان أعظم من اليابان ...
أما ثقته بنفسه فأغرب من الخيال...كان يردد " سعيد عقل قال" سعيد عقل بيعرف " ...
و سعيد عقل لا يمل من حديثه، حتى نعرف تماما أنه يبالغ، إنه رجل استثنائي مهنته الشعر
نعم ، لقد قال دائما أنه شاعر و كفى ...
لهذا يستحيل أن يغيب و أجنحة شعره تأتي به متى شاءت إلينا، و لا تفارقنا أبدا....
ستظل تروح و تجيء ، كطائر الفينيق  الذي لا يموت ...!