نظمت الدكتورة أنيسة داودي من جامعة بيرمينغهام ( بريطانيا)  مؤتمرا  عن سرديات وترجمات خطابات الاغتصاب في الحروب في المنطقة العربية
و كان لي الشرف للمشاركة فيه، ليس من باب أني أعدت روايتي تاء الخجل التي حاربها الإعلام العربي و أقلام كثيرة لأنها أدانت الإغتصاب، بل لأني التقيت خلال المؤتمر بنساء عربيات أعتبرهن من الأدمغة النيرة التي خسرها العالم العربي بعنجهيته و قدمهن للغرب كما قدم ملايين الأدمغة نساء و رجالا للغرب الذي يسعى لمزيد من المكتسبات  و التقدم و التحضر .
و لعل أكبر مفاجأة لي أن ألتقي الحقوقية و المناضلة الجزائرية وسيلة تامزالي وجها لوجه في هذا المؤتمر، سيدة لطالما أدهشتني بحضورها القوي على الشاشات الفرنسية في نقاشات حادة حول تاريخ الجزائر، وواقع النساء و قضايا كثيرة إنسانية إهتمت بها.
أما الجميل في المؤتمر الناجح جدا بالنسبة لي فهو مستوى المشاركين الرفيع ، فقد جمعت الدكتورة أنيسة نساء من كل صوب و حدب: الجزائر، تونس، ليبيا، اليمن، العراق، باكستان، سورية  و أساتذة من إنجليز من الجامعة نفسها
قدمت المشاركات بعضهن من بلدانهن الأصلية و بعضهن من بلدان إقامتهن
و قد بدا جليا أن  حرية النساء اليوم مقرونة بابتعادهن عن أوطانهن، فالبقاء داخل الرقعة العربية يعني تضحية كبيرة و قتالا كبيرا للقدرة على الإستمرار. دموع الدكتورة إنعام بيوض من الجزائر و هي تقرأ فصلا من روايتها " السمك لا يبالي" جعلنا ندرك جميعا أن ما عاشته  أصبح محفورا في ذاكرتها إلى الأبد و أنه جرح لا يبرأ، في لحظة إستيقظ و مر كشريط مرعب ، كثيف القتامة أمام عينيها فلم يعد بإمكانها أن تتمم القراءة...فاضت تلك الدموع لتملأ قاعة المؤتمر ، و طلبت من إحدى الحاضرات أن تواصل القراءة عنها.
و ما حدث لم يكن صدفة عبثية، فالنساء عملن دوما على المقاومة السلمية، و إحتضان آلامهن و آمالهن في صمت، و فيما الرصاص يلعلع من بنادق الرجال و هم يتقاتلون، كانت النساء يعملن على إخفاء أبنائهن و توفير المأكل و المشرب لهم. و صحيح أن إنعام لم تتمم القراءة لكن صوتا أنثويا آخر أتمم قراءة ما كتبت....النص الجميل و الجارح الذي أصغينا إليه من روايتها كان أيضا يجعلنا نسمع صوت إنعام الذي لن يصمت أبدا.
الدكتورة مريم بجاوي من جامعة الجزائر، إيمان كوزوأياري من تونس قادمة من جامعة إيساكس بإيطاليا،الأستاذة ريم ورتاس، البروفيسور سكوت لوكاس ،  الأستاذة سحر مديحة النعاس ليبية من جامعة إكستر ، البروفيسورة آمال قرامي جامعة منوبة بتونس، البروفيسورة كريمة بنون جزائرية قادمة من جامعة كاليفورنيا، الدكتور بيرني ساب من جامعة بيرمينغهام، الدكتورة زهية صالحي جزائرية من جامعة مانشيستر، الأستاذة فريدة علاقي باحثة و ناشطة ليبية رشحت لوزارة الخارجية في ليبيا، الأستاذة زينب نقوي، الأستاذة إلهام مانع من جامعة زيوريخ، الأستاذ مومن صالح، و بلسم عوني من جامعة برمينغهام و الكاتبة فيء ناصر من العراق
كوكبة المشاركين فتحوا نقاشا جريئا و ثريا عمّا يحدث في العالم العربي اليوم، و تبين أن الدول التي تمول الحروب لا تجند نساءها ، و إن كان هناك استثناء بتجنيد فئات معينة من الرجال.
و أمام صمت الهيئات الدينية أمام ما يحدث ، يبدو جليا أن هناك تواطؤ فيه التباس على أن علماء المسلمين و رجال الدين لم تتضح لهم الصورة جيدا أمام ما يحدث بين تراث إسلامي يعج بالدموية و العنف و سبي النساء و استباحة أجسادهن و بين " سماحة الإسلام" التي يفترض أن يقدموها للعالم و التي في الغالب نجدها في النص القرآني.
بالطبع تعتبر هذه المرحلة من الثورات العربية علامة استفهام كبيرة لكل من حلم بالتغيير الإيجابي، لأنها لم تحمل سوى الدمار الذي لم يكتف بتصفية الأجساد و هدم معالم التاريخ و الذاكرة بل بلغ مرحلة سحق المرأة و تجريدها من إنسانيتها، فمجددا هي ليست أكثر من مخلوق يباع و يشترى من أجل المتعة، و أصبح الإستغناء عنها ككيان  حاضن للعائلة و مركز للحياة  واضحا، إنها غنيمة حرب، و هدف لإذلال الآخر.
تبدو صورة العالم العربي على هذا الأساس قاتمة و مخيفة و لهذا بلغت نقاشات المؤتمر نتيجة موحدة، و هي أن الصمت على ما يحدث سيكون جريمة في حق أنفسنا، فما دامت نساء النكاح أو أخوات الفراش اللواتي يتركن عائلاتهن للسفر إلى سورية لتقديم أجسادهن لل " مجاهدين"  جامعيات في الغالب فهذا يعني أن جامعاتنا لم تعمل على تكوين العقل و تحريره من أغلال الماضي السحيق الذي استعبد المرأة ، و دورنا اليوم هو أن نواجه الظلام القادم من أعماق تراث ملغوم في الشرق بمصابيح تنير الطريق لأجيالنا القادمة.
و لا بأس أن تبدأ رحلة الألف ميل بخطوة، و لا بأس أن تبدأ من عواصم غربية حتى و إن كان الغرب متهما بتمويل و تشجيع ما يحدث في الشرق.
بصوت واحد كانت نساء المؤتمر و شبانه الرائعين متفقون جميعا أن العمل على نشر ثقافة جديدة بين الأجيال القادمة هي أول خطوة لصنع أفراد يفكرون بطريقة أخرى لإثبات وجودهم و تحسين نمط الحياة في بلدانهم .
في النهاية أعتذر لأني لم أستطع إختصار كل ما قيل خلال المؤتمر فقد كان ثريا جدا و كانت الأحاديث و النقاشات تنسينا حتى الفترات القصيرة المقتطعة للراحة.
شكر كبير للدكتورة أنيسة داودي على التنظيم الجيد للمؤتمر، و على وجهها البشوش دائما رغم الضغط و كثرة الأعباء ...لقد كانت نموذج " السوبر وومن" بامتياز
و الأجمل أنها جعلتنا سعيدات جدا حين جمعتنا معا و منحتنا فرصة لقول ما نريد قوله و التخطيط بأمل جامح لمشاريع قادمة ستكون حتما فاتحة خير على النساء و الرجال معا.