تعلمنا نحن النساء أن نصوم في عمر أبكر من عمر الذكور، ذلك أننا حسب المعتقد الإجتماعي نكبر بسرعة
و على هذا الأساس صمت و أنا طفلة في الثانية عشرة من عمري في شهر يشبه الجحيم، كما هذه الأيام تماما..
صمت مثلي مثل غيري و هناك بنات جيران صمن في العاشرة و التاسعة ...و بعض الجارات كن سعيدات بتجويع أبنائهن في عمر السادسة و الخامسة
طبعا للتباهي أمام بعضهم بعضا بقدرة أبنائهم على تحمل الجوع...و هذا نوع من القسوة التي ستولد فيما بعد قسوة أخرى تتجاوز التجويع العادي، فالأب و الأم اللذين لا يريان جوع فلذة كبدهما في عمر نموه، و يتلذذان به كيف سيرحمانه في أشياء أخرى أكثر أهمية...؟
لا علينا ...فقد تعوّدنا أن نصوم باكرا، حتى أصبح الإقدام على الأكل في رمضان لعذر شرعي يشبه الجريمة في قلوبنا، نحن النساء لدينا هذا العذر و مع هذا نخفي عذرنا، و نكسر صونا بشربة ماء، أو بلقمة خبز...
نظن أن هذا يكفي حتى نقف على أقدامنا و نحن ننزف و أجسادنا متوهنة و يأكلها الوجع...
لا أحد من معشر الصائمين يحترم مرضنا الشهري، و حاجتنا للراحة و الغذاء ...مجبورات لنقف في المطابخ و نحضر ما يشتهيه الرجال...نموت من الحر و التعب و نظل صائمات حتى لا نخدش مشاعرهم...
بعد رمضان نضطر للصيام، لنعوّض تلك الأيام، طبعا مشاعرنا مرة أخرى لا تهم أحدا...
فالجميع يأكل و يدخن و يشتم و يتفوه بكلمات نابية في الشوارع و يتم التحرش بنا بأقذر الكلام و لا من ناهي و لا من آمر بالمعروف ..
كل هذا الكلام أكتبه لأني أشعر كل سنة أن المسلم الذي يصوم و يتصرف كوحش أمام كل من يفطر أمامه على أنه مس مشاعره قد خرج عن المعقول في ممارسة دينه ...
فإن كان الصائم يثور لمجرد رؤيته لشخص يأكل فلماذا يصوم؟
أليس الصيام أيضا أن يثبت الصائم أن لا قوة تؤثر على إيمانه بالله؟
أليس الصائم ليس بصائم عن الأكل و الشرب فقط بل صائم عن كل ما يخدش مشاعر الآخر ...و إظهار مزيد من الصبر و القوة أمام مغريات الحياة؟
فرجاء من لا يعرف حكمة الصوم فعليه أن يتوقف عن الصوم ما دام أي سلوك من مفطر يثيره...
أقول ذلك و أنا أفكر في آلاف المتسولين في شوارعنا ...
آلاف الجياع في مدننا و نحن نأكل أمامهم و نحمل أطايب مكشوفة إلى بيوتنا أمامهم و لا احترام لمشاعرهم و لا يحزنون
لماذا أصبحت مشاعرنا هشة؟
لماذا أصبحنا مجتمعا غير ناضج، غير مكتمل العقل، غير مكتمل البصيرة؟
لماذا هذا التمادي في تحويل صورتنا إلى مهزلة أمام العالم؟
ملايين المسلمين في أوروبا و أمريكا و العالم الغربي يصومون و لا أحد يشعر أنهم يستعرضون صيامهم كعرض كرنفالي ... كم يستحق هؤلاء من الإحترام و هم يفعلون ذلك إيمانا و قناعة و لا يأبهون بمن أكل و من تعرّى و من يتطاول عليهم أحيانا ...
لا أدري ما الذي يصيب شعوبنا الإسلامية في الداخل، لكن يبدو أن التناحر فيما بينها بلغ خط اللارجعة و أن الإسلام الحقيقي سيشرق علينا ذات يوم من الغرب ...
كل عام و أنتم بألف خير