هم يعرفون  عن الحرب أكثر منا، يعرفون على الأقل متى سيطلقونها في وجوهنا، و أين، و لأي وقت ستظل، يعرفون كل هذه الأشياء، و لكنهم في إنتظار ذلك يرهبوننا بالتأويلات و التحليلات التي لا معنى لها...
و المحللون السياسيون يتعاقبون على الفضائيات العربية، و " يعتقدون" أن الحرب آتية ، و غير آتية، و الفاهم يفهم.
أو هي لا آتية و لا رائحة ( من فعل راح، يروح) و كأنها تلعب معنا لعبة غميضة و تختبئ هنا قربنا " بشي زاروبي " قبل أن تفاجئنا بوجودها.
و الرؤساء يسافرون، و رؤساء الأحزاب أيضا  يسافرون  ، و الله أعلم ليس للإستجمام.
و الإعلام العربي يرعبنا بطلات " غير شكل" تماما كالطيران الإسرائيلي الذي يحلق في سماء لبنان لتخويف الأطفال أولا قبل الدخول في حرب.
يلعب الجميع لعبة التخويف هذه و كأننا في حفلة " هلاوين" كل يخرج بقناعه و يراقب تفاصيل الرعب على وجه صديقه ليضحك أولا، و لن أفهم أبدا ما دامت هناك حرب فمن الأجدى أن نُخبر - بضم النون، و فتح الباء -  نحن ، من لا علاقة لنا بها لا من بعيد و لا من قريب، و بدل أن يطلعنا الإعلام كل يوم بمحلل غبي يحب الظهور على الشاشة، و يبدع في إرعابنا بتحليل مطول ( حتى يظل أطول مدة ممكنة على الشاشة)  عليه أن يختصر لنا الأمور و يقدمها مبسطة، فأكثر اللبنانيين اليوم يسفون حبوب الأعصاب و الضغط و السكري و يرتبطون مع الحياة بشعرة معاوية، و ليسوا بحاجة لحرب ليموتوا فهم بعد حرب ال20 عاما الماضية مدركين تماما أن الحياة سريعة الإنكسار، لهذا يجب أن تعاش يوميا بيوم، و ليس أكثر.
على هؤلاء الذين يستقلون الطائرات و يصرفون من مداخيلنا التي ندفعها لهم على شكل ضروب من الضرب و الضرائب أن يعلنوا لنا الخبر من آخره، كأن يتشجع أحدهم و يطل علينا عبر الشاشة و يقول بجرأة فائقة:" ايها الشعب اللبناني العظيم، تزودوا ما استطعتم بالمؤن ، زقوا قد فيكم حليب بودرة، و طحين، و معلبات، و بنزين.. و عمروا ملاجئ على عمق 30 مترلأن القنابل التي ستسعمل هذه المرة ستخترق ملاجئكم القديمة" أو إن قدر الله و كان هؤلاء أكثر شجاعة، فعليهم أن يضعونا في الصورة بشكل أرقى كأن يخاطبونا قائلين:" اللي بدو يموت شهيد يظل، و اللي بدو يعيش جبان يحمل حالو و يفل، ع القليلي بتوسع ساحة الحرب و نقتل بعض بشكل أريح" و يعلنوا المهلة التي كما يردد الشارع اللبناني مفتوحة إلى أيلول ( سبتمبر القادم) ...
لكن و الله اعلم هم لا يفعلون ذلك، لأننا جميعا سنتفادى الحرب بهذا الشكل، و لن تصبح درامية بما يكفي، لن تكون محزنة، و الصور لن تهتز لها المشاعر، و حتما هذا يجعلنا نخسر الرأي العام العالمي ، الذي لم يتعاطف معنا  في حروب سابقة و أصبح بيننا و بينه رهان أبدي حتى نهزمه في يوم ما.
أشعر و كأن هؤلاء " المجتمعين" الذين يشبهون في شخصياتهم ، شخصية " متردد" في " برنامج أحمر بالخط العريض" مقتنعون أن ذبحنا ضروري، لكن إلى أن يحين موعد الذبح عليهم أن " يعلفونا" جيدا بالحكي الفاضي، قبل أن نصل للحقيقة في وقت متأخر، و نموت في وقت متأخر أيضا...!