من يعرف أين تقع تكوت؟
من يعرف اين تقع شناورة؟
من يعرف اين يقع الأوراس؟ في الشعر الذي تغنى به أم في تلافيف الثورة التي توشك على الإنقراض؟
لم نتعلم خلال مسيرة التعليم المرهقة في الجزائر عن جغرافيا البلد كما يجب،
لكن مع هذا لا مشكلة سأعرفكم، فحتى في قلب الجزائر غير أبناء المنطقة لا أحد يعرف قرية في قلب تلك الجبال إسمها تكوت؟ أو شناورة؟
أو إش م اول - تكتب غلط على لافتات الطريق منذ مطلع الإستقلال ( إشمول) ... فهي في الأصل  كلمة مركبة" إش" (قمة) أول ( القلب)"  و هي إن قيلت باللغة العربية حتما ستكشف بعضا من خصائص المنطقة ، لمن لا يعرفها جهلا بلغة أهل البلد الأصليين... " الهنود الحمر.... ربما ...!)
لقد اصبحنا بعيدين جدا عن تكوت، لكن هذا لا يعني أننا بعدنا عن قمم القلب.
فالمنطقة كلها تنبض كما القلوب الصغيرة الطرية المليئة بالحياة، لكن سرعان ما يضعف النبض شيئا فشيئا ثم يموت.
تكوت التي تعشق و تحب و تقيم أعراسا لأبنائها لينجبوا صبيانا و بنات سرعان ما تقيم الجنازات ايضا.
ياتيها الموت من الغبار...!
يأتيها من لقمة العيش المرة...!
لماذا رفع هؤلاء السلاح ذات يوم، و حاربوا فرنسا، و قدموا الغالي و النفيس ؟ هل ليعيشوا اليوم منكبين على قص الحجر من المحاجر و تنشق الصخر حتى الموت؟
لماذا كان كل ذلك العناء، و بعده لماذا  سنوات و سنوات من الأحلام بجزائر حرة و قوية لا تفرق بين ابناء الشرق و الغرب، و بين ابناء تكوت و ابناء العاصمة؟ أو بين ابناء تكوت الذين يقصون الحجر و بين أبناء الوزراء الذين لا يعرفون حتى أن يقصوا البيفتاك في صحونهم ؟؟؟
تصلني اخبار الشباب من هناك
مات شاب آخر يدعى جمال قمري 30 سنة بمرض السيليكوز في بيته في شناورة (4 كلم عن تكوت) يوم الأربعاء الماضي
في اليوم التالي مات توفيق . ب 24 سنة بنفس المرض.
صعب أن يقف أب ليدفن إبنه، لكن هذا ما حدث في تكوت... و يحدث يوميا ...
من يأبه ؟؟؟؟
فلا لقمة عيش غير لقمة الحجرهناك.
لا فرص عمل، لقرية تخفيها الجبال عن أعين من في العاصمة
لا مستشفى لهؤلاء فهم في خريطة المتخمين على كراسي الحكم غير موجودين إلا لقص الحجر حتى يزينوا مزيدا من حيطان بيوتهم من الخارج تحديدا...
اقرأ الخبر مرسلا لي من صديق عزيز، و لا اجد متسعا للبكاء
غضب شاسع يمتد من قلبي إلى منحدرات تكوت، وسط تلك الجبال التي انجبتني
غضب شاسع بلا نقاط أو بلا  فواصل
غضب يساند من غضبوا هذا الصباح هناك و خرجوا ليقولوا : نريد حقنا في الحياة.
من يسمع؟
من يجيب؟
و إن كنت في منفاي أظن أن العالم قد يقرأ مقالي الصغير، فإنهم هناك يدركون أن لا منفعة لمقال كهذا... و ربما لامنفعة حتى من التظاهر و قطع الطريق. من يهتم ؟ فلا مسؤول يحتاج هذه الطريق أساسا ليقطعوها لمائة سنة فلن يشعر بهم أحد...
غدا سيموت شاب آخر...
و بعد غد سيموت شاب آخر...
ستبكي الأمهات، و ستنهمر دموع الرجال في الخفاء حزنا على أولادهم...
سيبكي الأطفال الذين فقدوا أبا...
ستبكي الأرامل الشابات رحيل سند البيت و الحياة معا
سيبكين طويلا، و بحرقة، و ستنتابهن أفكار سوداوية حول من سيطعم أولئك الأطفال مستقبلا؟
سيخاطبن الليالي الطويلة بهمس كالصلاةن و يرفعن عتابا لله ....
نعم ... من السهل على ثكلى أن تعتب على الله العظيم الجبار، لكنها لن تطال أبدا مسؤولا واحدا ليس له رأفة الله و رحمته.