آراء حرة مقالات اخرى
الكاتبة الجزائرية زهرة ديك: الحكم على كتابات المحنة بالأدب الإستعجالي هو الذي كان استعجاليا (الأربعاء 22 شباط 2012)
(لم أتعمد كسر الطابوهات ولا أظنها تُكسر بمجرد عنوان)
زهرة ديك كاتبة وروائية وإعلامية جزائرية قضت ما يزيد عن ربع قرن في وكالة الأنباء الجزائرية، وفي عام 2000 أصبحت أول رئيسة تحرير في تاريخ الوكالة لمدة فاقت 3 سنوات. حاليا تشرف على الموعد الأدبي بيومية ''الحوار''. آخر رواية صدرت لها كانت بعنوان ''قليل من العيب يكفي'' عن منشورات بغدادي، تمتد أحداثها على حيز 352 صفحة و40 فصلا وهي ثالث عمل روائي لها بعد ''في الجبة لا أحد''، و''بين فكي وطن''. زهرة ديك في حوارها هذا تتحدث عن روايتها الأخيرة وعن العناوين الصادمة والجريئة وعن الطابوهات التي لا تُكسر بمجرد عنوان جريء وصادم وعن النقد الذي ترى أنه الغائب الأكبر عن المشهد الأدبي وإن حدث و وجد فإنه مجرد استعراض مفردات ومصطلحات نظرية رنانة لإبهار القارئ بما يقول الناقد لا بما يقول النص، كما تتحدث عن أبطالها وعن الواقع والمخيال وعن الأدب الإستعجالي الذي ترفض أن يُلصق بكتابات المحنة وعن هواجس وانشغالات وإشكالات أدبية أخرى.
أجرت الحوار نـوّارة لحـرش
عنوان روايتك الأخيرة "قليل من العيب يكفي" مستفز وجريء بعض الشيء، هل تراهنين على العناوين الصادمة من أجل جذب انتباه القارئ؟
زهرة ديك: وما نفع العنوان وما دوره إن لم يجلب القارئ، مسألة العنونة تعني لي الكثير ككاتبة. لذلك أوليها إهتماما كبيرا قد يعادل اهتمامي بالنص، العنوان كالواجهة بالنسبة للدكان فما الفائدة من أن يكون عامرا بأشياء ذات قيمة وواجهته لا تقول ذلك أو تقول عكسه، هو كالوجه بالنسبة للإنسان. الناس تتعارف وتنجذب لبعضها البعض بالوجه أولا ثم تأتي الأشياء الأخرى لذلك ترينني أحرص في عناوين أعمالي على استعمالها كطعم أقتنص به القارئ في زمن عز فيه القارئ، فلا ضير إذن من إغرائه وإثارة فضوله بواسطة العنوان. أنجح العناوين أقواها صدمة وأكثرها غرائبية وأشدها إغراء. ثمة مؤلفات أوصلتها عناوينها إلى قمة الشهرة وحققت بفضلها نجاحا ما كان النص وحده قادرا على الوصول إليه، ثم من منا لا تشده العناوين المثيرة. بصرنا يعلق أولا بالعنوان، نتأمله، نحاوره، نتصفح الكتاب ثم نعود إليه كأنما نختبر قدرته على إقناعنا أن نشتري الكتاب أم لا، وهنا تكمن أهمية العنوان في استدراج المتلقي، لكن للأسف الكاتب الحزائري والعربي عامة لا يطمح لنجاحات كبيرة يحققها بفضل عنوان وإن بلغت قوته أقصى درجات سلم ريتشر. وعموما وأمام هذا النفور والموت القرائي يكون المبدع ظالما لنفسه ولنصه إن هو أهمل قضية العنونة ولم يشتغل عليها بنفس الجدية التي يشتغل بها على نصه. حرام أن يوحي لك عنوان ما بالإهمال أو السطحية بينما يخفي وراءه نصا جميلا مكتمل الصفات الإبداعية والجمالية، العنوان أيضا إبداع وعبقرية وجرأة وذكاء وذائقة، وفي صالح الكاتب أن يجتهد ويتعب من أجل أن يضمنه شحنة تأثيرية وإيحائية وإشهارية وجمالية، مراعاة كل هاته الوظائف لا يمكن إلا أن تخدم النص وتعلن عنه بالشكل اللائق به. أعرف كُتابا من كثرة إهتمامهم بقضية العنوان وانشغالهم بها أجلوا نشر أعمالهم لفترات طويلة لأنهم لم يعثروا على العنوان المناسب. ولكني أعرف أيضا من لا يكترث لمسألة العنونة ويعتبرها مجرد تسمية لا غير.
لكن العناوين الصادمة أو الجريئة تعتبر كسرا للطابوهات وأحيانا تعطي ملمحا ولو بالغلط عن فحوى الرواية؟
زهرة ديك: العنوان في رأيي ليس ملزما بأن يلخص محتوى النص بقدر ما هو مطالب باستخدام طاقته الفنية والإغرائية لإستدراج القارئ وتشويقه لإكتشاف عالم النص، ولكن لا يجب أن يكون العنوان بمثابة التفاح الشهي وما وراءه ليس أكثر من كدس بطاطا مثلا. أنا أحب العناوين وأحب أن أعول عليها، ويمتعني أن أشتغل عليها كثيرا لإيماني بها كمغامرة جمالية أولا وكعنصر هام في العملية الإبداعية ثانيا. بالنسبة لـ "قليل من العيب يكفي" صحيح أنه قد يوحي بأن الرواية مليئة بـ "العيب"، أي العيب بمعناه الحسي والجنسي وهي لفظة في مفهوم العامة تحيل مباشرة إلى المحرمات الجنسية، لكني لم أتعمد كسر الطابوهات فهي لا تكسر بمجرد عنوان ولم أنو تغليط القارئ أو غشه بعنوان مارق عن النص، من قرأ الرواية والتي أردتها أن تكون قطعة ساخنة منا كجزائريين وكعرب سوف يلاحظ ذاك الكم من العيب الطاغي على تفاصيلنا ومصائرنا وعلى حياتنا ككل. أليست كل العيوب منصبة علينا كأمة تفتقر إلى العدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية، أين نحن من القيم الأخلاقية، من الحق في الحياة اللائقة، بلا توتر، بلا خوف من الغد، بلا مظالم على كافة الأصعدة، بلا شعور باللاأمن واللاإستقرار المادي والمعنوي، من الحق في هوية راكزة مفرحة ومشرفة، في الصحة النفسية، في المزاج المتوازن، في الوجود المجدي المنتج الإيجابي إنسانيا وفكريا وعلميا، الحق في الثروات الوطنية، إلى غير ذلك من العيوب والتعاسة التي نسبح فيها..
"قليل من العيب يكفي" رواية الموضوعات الكثيرة والمتشابكة، والطَرق كان بمستويات مختلفة من السخرية إلى الدرامية، إلى التهكم والطرافة، لماذا هذه المعالجة المتصادمة مع بعضها البعض؟
زهرة ديك: هذه الرواية كتبتها للذين لا يعرفون الكراسي الوثيرة ولا يعرفون المكاتب المعطرة البراقة ولا ملمس السيارات الفارهة ولا يعرفون المطارات ولا الطائرات ولا أنواع الجبن ولا ماركات البدل والملابس، ولا يعرفون ربما تولستوي وكافكا وهمنغواي ولكنهم يعرفون بؤسهم الشخصي. يعرفون تعب حياتهم ويعرفون حقهم في جيب من. هي رواية أردتها أن تكون زاخرة بتفاصيل الإنسان الجزائري امراة كان أم رجلا، وكأني أردت أن أفعل له شيئا، أن قدم له شيئا، أن أقول له شيئا أو كل شيء، لذلك لم أكتف بحكاية واحدة وببطل واحد. عندما تحتدم بداخلك الأشياء وتزدحم في رأسك الأحداث وفي قلبك المواجع وتتناسل في جوفك الخيبات لابد أنك ستبكي حد الضحك وتضحك حد البكاء وتكتب حد الحنون والفوضى، حد التصادم كما قلتِ. الرواية يمكن أن تُقرأ على شكل أجزاء ولكنها مترابطة جميعها بشخصية "بهتة" المحورية "بهتة" السعيد في تعاسته، الفرح بشقائه لم يفلح في شيء مثلما فلح في تخزين بؤسه إلى أن قرر ذات نكسة أن يعاقب وطنه بالجنون ويفتك منه دوره ويجعله تحت إمرته. ومن فرط حرصي على أن أقبض على كثير من الأشياء بقلم واحد لم أدر إلا والشخصيات الثانوية تكبر وتتنامى وتتطور إلى أن تقوت وباتت تهدد وجود "بهتة" كبطل رئيسي في الرواية. التنوع والتنقل من حدث لآخر ومن حكاية لأخرى يبدو لي أنه في صالح القارئ ذي النفس القصير خاصة، فهو سوف لن يضجر من طول الرواية كما أن بامكانه ألا يقرأ سوى الجزء أو الحكاية التي راقته فيها بلا أن يشعر بأي انقطاع في خيطها السردي. وزيادة في تدليل القارئ تعمدت التركيز على عنصر الدعابة والطرافة في معالجة تفاصيل قاتمة وواقع مر لأخفف من سوداوية المناخات المخيمة على أحداث الرواية. ولا أعتبر ذلك تصادم بقدر ما هو تعاط صادق مع هواجسي ومع الآخر.
هناك ملامح بعض الذاتية الباهتة في روايتك، هل كل رواية تأخذ من كاتبها بالضرورة بعض تفاصيله وسيرته؟
زهرة ديك: مبعثرة أنا في نصوصي، مفضوحة في كلماتي، أعمالي لا يمكن إلا أن تكون أنا وإن ليست أنا، وما الكتابة إن لم تكن ذاك التراث النفسي والمزاجي وتلك الرؤى والأحلام والأوهام والمكبوتات والإحباطات والتوتر والقلق المزمن والإنتقام والتجارب والفقد والغضب، لا أعقد ولا أغمض من كيمياء الكتابة. الكتابة الأصيلة لابد أن تشبه كاتبها. أن تقوله بشكل ما، أن تفضحه أن تعريه بطريقة ما. كل مبدع يقبع وراء كلماته، يسرب من ذاته من تفاصيله فيها، فتتناسل المعاني ويزهر النص ذرية من جيناته الإبداعية والجمالية والفنية، الكتابة رائحتنا الخام، إفرازاتنا العزيزة، إن جاء النص هكذا فلأني أنا هكذا. آرنستو ساباتو يقول: "إن كل رواية عميقة سيرة ذاتية"، وتشيشون يذهب حد اعتبار السير الذاتية الحقيقية للكتاب موجودة في كتاباتهم لا في تلك الكتب السطحية التي تروي قصص حياتهم.
الرواية ضخمة بـ:352 صفحة في حين أغلب الروايات الجديدة لا تتعدى الـ200 صفحة أو أقل، القاريء أصبح ينفر من الروايات الطويلة، القاريء النخبوي تقريبا وحده من يقرأ هذه الروايات الطويلة بحكم تواجده في الوسط واشتغالاته الأدبية والنقدية، أم أن رهانك على القاريء النخبوي أهم؟
زهرة ديك: لا أراهن على أحد بالتحديد لأني أعرف مع الأسف أن قلة من هؤلاء وقلة من هؤلاء فقط تقرأ قراءة حقيقية، لم أتعمد تكبير حجم الرواية بل بالعكس وجدت بعض الصعوبة في قفل أحداثها، ربما ما جعل صفحاتها ضخمة كثرة الحكايات التي عالجتها، أربع حكايات تختلف كل واحدة عن الأخرى لكنها موصولة بشكل ما كما ذكرت سابقا بالشخصية المحورية "بهتة"، يمكن أن تقرأ كل واحدة منها على حِدَةٍ، ثم أني كما إني ذكرت أحببت أن أقول أشياء كثيرة عبر أحداث وشخصيات الرواية. حجم الرواية كبيرا كان أم صغيرا لا يعكس طبعا قيمتها ولا يعتبر مقياسا لأهميتها ونجاحها، الرواية الجيدة بمحتواها وحمولتها الإبداعية والفنية وكثافتها الجمالية لا بعدد صفحاتها كثيرة ة كانت أم قليلة.
قلت: "لم أركز في عملي كعادة الكتاب على المكان وإنما ركزت على الإنسان الجزائري"، هل المكان كفضاء وتيمة يتعارض مع الإنسان؟، أليس المكان والإنسان شريكين في فضاء الواقع والرواية؟
زهرة ديك: أنا منشغلة على الدوام بالإنسان الجزائري، أحسه مختلفا، منتقصا لشيء، يبحث عن شيء ما، ينوء بسر ما، بغضب ما بصمت ما، بحزن ما لا يدري منبعه، وفي هذا العمل خضت في تفاصيله وانخرطت في هواجسه وأسئلته وأوجاعه وغموضه. كان تيمة رئيسية في حين كان المكان تيمة متخفية أو الوجه الآخر لتيمة الإنسان، الإنسان والمكان وجهان لتيمة واحدة، وحدها المعالجة وتقنية السرد تظهر الكاتب منحازا لأحدهما، ومع ذلك لا أظن أني في هذا العمل تغاضيت كليا عن المكان، لعلي تناولته بشكل إيحائي وفلسفي ما جعل الإحساس به غامضا نوعا ما.
الملاحظ أن روايتك لم تأخذ حقها من النقد كفاية، وهو شأن معظم الأعمال الأدبية التي تصدر في الجزائر، ما رأيك؟، وككاتبة إلى أي مدى يعنيك النقد؟
زهرة ديك: وأي رواية أخذت حقها من النقد في الجزائر؟، سقطت من آمالنا هذه الكلمة، شخصيا نسيت شيئا إسمه نقد، ولا أكتب للنقاد، وأين هم النقاد؟، يكفيني أن يقرأني القارئ البسيط وأصدقائي وأفراد عائلتي، ولا أظن أنه هذا موقفي وحدي. ألِفنا الكتابة بلا نقد وكما قالت إحدى الكاتبات العربيات "نحن جيل بلا نقاد"، ولكنها ليست نهاية العالم، فالمبدع رغم حاجته للنقد إلا أنه لن يتوقف عن الكتابة ولن يثنيه ذلك عن الإنتاج، صحيح أن مستقبل الإبداع مرتبط بمدى الضوء الذي يسلط عليه لكن إبداعنا والأمر منسحب على كامل الوطن العربي تقريبا تعلم أن يكون يتيما وتعلم كيف يتولى أمره بنفسه، حيث أصبح المبدعون يتولون نقد بعضهم البعض في حين يظل النقاد مشغولين بكل شيء ما عدا النقد. وعموما ما عاد المبدعون ينتظرون نقدا يحفل بنصوصهم ويعلن عن قيمتها ويصنف مستواها وإن حدثت المعجزة وحظي نص بنقد فهو لن يكون أكثر من استعراض مفردات ومصطلحات نظرية رنانة لإبهار القارئ بما يقول الناقد لا بما يقول النص.
صُنفت كتاباتك وبخاصة "بين فكي وطن" و"في الجبة لا أحد" ضمن الأدب الاستعجالي، لكن رفضتِ هذا التصنيف بشدة وقلت أن الذين يقولون هذا يريدون إلصاق وصمة بالجيل الذي كتب أيام المحنة؟
زهرة ديك: ليست كتاباتي وحدها التي صنفت ووصمت بالأدب الإستعجالي، كل من كتب في تلك المرحلة العصيبة الدموية التي عاشتها الجزائر رجم بهكذا وصف. الفورة الإبداعية التي شهدتها فترة التسعينيات لم يكن مرحبا بها ولم تحتف بها أسماء أدبية راسخة في الوسط الثقافي ليس فقط ذلك بل ابتدعوا لها شتى التهم وألحقوا بها شتى النعوت "تقريرية، سطحية، ليست بعمق الأزمة، يغلب عليها الأسلوب الصحفي" إلى غير ذلك من العصي التي انهالت عليها، وكأنهم ما كانوا يحيون نفس المحنة، وما كانوا يعرفون أن تلك الكتابات تحدت صوت الرصاص ولم تأبه بخطر القتل المتربص بها وانبثقت من قلب الفجيعة واللهب، راحت تجاهد وتحارب وتشهد على جرائم صناع الموت والدمار وتؤرخ بطريقتها لحقبة عاصفة من تاريخنا وحياتنا أغرقتها حمرة الدماء طيلة عشرية وأزيد. لا أدري أي قياسا استخدمه هؤلاء النقاد إن كانوا كذلك فعلا لإبتداع هذه المصطلحات الظالمة والحاقدة والمغرضة، لا أدعي هنا أن كل ما كتب في تلك الفترة يرقى إلى مستويات إبداعية وفنية عالية لكن من اللامنطق ومن الجور الثقافي والأدبي أن نسارع ونلمها في كيس واحد ونشمعه بعلامة "استعجالية لا تصلح للاستهلاك"، لكن في الأخير ورغم الضرب الذي أكله جيل التسعينات ورغم محاولات بعض السابقين و"المتمرسين" في مجال الإبداع وإمعانهم في إفراغ إنتاجات التسعينيات من قيمتها والإستخفاف بها لم تتوقف عجلة الكتابة ولم ينضب سيل الإبداعات، وهاهي الساحة الأدبية تينع بأسماء كثيرة أثبتت مقدرتها وتميزها على الصعيد الداخلي والخارجي. ومهما يكن فهذا المصطلح في نظري آيل للسقوط إن لم يكن سقط على يد روائيين تحدوا ولازالوا قوى الإحباط والحسد والإفشال ونصوص بشير مفتي وياسمينة صالح وسمير قاسيمي وعبد الرزاق بوكبة وغيرهم كثر، سيشهد لها التاريخ وسيكافئها على شهاداتها وصدقيتها وتعاطيها المشرف والبطولي مع المواقف العصيبة التي مرت بها البلاد وسيبرهن أن الحكم عليها هو الذي كان استعجاليا.
كتابة الواقع إلى ماذا تحتاج أكثر، إلى التعاطي معه بفنية وبمخيالية موازية، بجنون، بحكمة، بدراية، بماذا تحديدا؟
زهرة ديك: كل شيء في الحياة ومنها الكتابة الإبداعية لابد وأن تستند على الواقع وإن كانت وهمية ومخيالية. الواقع صانعنا وصانع مصائرنا، هواجسنا، خيالنا، رؤانا، أحلامنا، خيباتنا، نجاحنا، عجزنا، جنوننا، أوهامنا، والعملية الإبداعية في حاجة إلى هذه الخلطة بكل مكوناتها، لكن اللغز الإبداعي في نظري لا يكمن في ما تحتاج إليه لكتابة الواقع. الواقع إناءنا ونحن غاطسين فيه أحببنا أم كرهنا، مشبعين بكل مكوناته ظاهرها وباطنها، المأزق الإبداعي يتمثل في ماذا نكتب؟ ما الشيء الذي لم يكتب عنه أحد لنكتب عنه؟، كيف يجب أن نكتب، ماذا يحب القارئ، أي لغة أي حكاية أي أسلوب أي أفكار أي شيء يرغب القارئ اليوم في العثور عليه وهو يقرأ رواية؟، أسئلة تؤرق كل مبدع يريد أن تصل نصوصه إلى أوسع شريحة من القراء ويريد أن يكون لأعماله أوسع صدى وأكبر رواج. والكاتب الناجح هو من يسعفه إما الحظ أو العبقرية في التكشف على أهواء القارئ ووضع قلمه على ما يتمنى قراءته. لا أظن أن ثمة كاتب لا يعيش على هذا الأمل.
أبطالك ضحايا الواقع والتاريخ والمحنة والظروف والأخطاء والقتل العبثي والمجاني والصراعات مع الذات؟، كيف هم أبطال روايتك القادمة، ضحايا ماذا؟، أم أنهم سيكونون أبطال الأمل والحياة؟
زهرة ديك: من منا لا يحب الفرح والأمل؟، لا أدري بالضبط، لكني أشعر كأن لي ميل للتفاؤل ومع ذلك لا أتوقع أن تكون شخوص أعمالي القادمة إن شاء الله غارقة في السعادة والحياة الهنيئة، من المؤكد أني سأسرب لها من قلقي وشكوكي واضطرابي وعقدي وكآبتي وخبثي وبراءتي وخيباتي وإحباطاتي وكل ما تختزنه دواخلي من تناقضات وأشياء غريبة وعجيبة. هذه الأشياء هي عتادي لأسبر أغوار الشخوص، ومعالجة المواضيع والأحداث لا مفر لها من ذلك. لكني أتمنى أن تكون نصوصي القادمة منشرحة وملونة رغم قتامة عمقها.
-----------------------------------
المصدر/ عن جريدة النصر الجزائرية
زهرة ديك كاتبة وروائية وإعلامية جزائرية قضت ما يزيد عن ربع قرن في وكالة الأنباء الجزائرية، وفي عام 2000 أصبحت أول رئيسة تحرير في تاريخ الوكالة لمدة فاقت 3 سنوات. حاليا تشرف على الموعد الأدبي بيومية ''الحوار''. آخر رواية صدرت لها كانت بعنوان ''قليل من العيب يكفي'' عن منشورات بغدادي، تمتد أحداثها على حيز 352 صفحة و40 فصلا وهي ثالث عمل روائي لها بعد ''في الجبة لا أحد''، و''بين فكي وطن''. زهرة ديك في حوارها هذا تتحدث عن روايتها الأخيرة وعن العناوين الصادمة والجريئة وعن الطابوهات التي لا تُكسر بمجرد عنوان جريء وصادم وعن النقد الذي ترى أنه الغائب الأكبر عن المشهد الأدبي وإن حدث و وجد فإنه مجرد استعراض مفردات ومصطلحات نظرية رنانة لإبهار القارئ بما يقول الناقد لا بما يقول النص، كما تتحدث عن أبطالها وعن الواقع والمخيال وعن الأدب الإستعجالي الذي ترفض أن يُلصق بكتابات المحنة وعن هواجس وانشغالات وإشكالات أدبية أخرى.
أجرت الحوار نـوّارة لحـرش
عنوان روايتك الأخيرة "قليل من العيب يكفي" مستفز وجريء بعض الشيء، هل تراهنين على العناوين الصادمة من أجل جذب انتباه القارئ؟
زهرة ديك: وما نفع العنوان وما دوره إن لم يجلب القارئ، مسألة العنونة تعني لي الكثير ككاتبة. لذلك أوليها إهتماما كبيرا قد يعادل اهتمامي بالنص، العنوان كالواجهة بالنسبة للدكان فما الفائدة من أن يكون عامرا بأشياء ذات قيمة وواجهته لا تقول ذلك أو تقول عكسه، هو كالوجه بالنسبة للإنسان. الناس تتعارف وتنجذب لبعضها البعض بالوجه أولا ثم تأتي الأشياء الأخرى لذلك ترينني أحرص في عناوين أعمالي على استعمالها كطعم أقتنص به القارئ في زمن عز فيه القارئ، فلا ضير إذن من إغرائه وإثارة فضوله بواسطة العنوان. أنجح العناوين أقواها صدمة وأكثرها غرائبية وأشدها إغراء. ثمة مؤلفات أوصلتها عناوينها إلى قمة الشهرة وحققت بفضلها نجاحا ما كان النص وحده قادرا على الوصول إليه، ثم من منا لا تشده العناوين المثيرة. بصرنا يعلق أولا بالعنوان، نتأمله، نحاوره، نتصفح الكتاب ثم نعود إليه كأنما نختبر قدرته على إقناعنا أن نشتري الكتاب أم لا، وهنا تكمن أهمية العنوان في استدراج المتلقي، لكن للأسف الكاتب الحزائري والعربي عامة لا يطمح لنجاحات كبيرة يحققها بفضل عنوان وإن بلغت قوته أقصى درجات سلم ريتشر. وعموما وأمام هذا النفور والموت القرائي يكون المبدع ظالما لنفسه ولنصه إن هو أهمل قضية العنونة ولم يشتغل عليها بنفس الجدية التي يشتغل بها على نصه. حرام أن يوحي لك عنوان ما بالإهمال أو السطحية بينما يخفي وراءه نصا جميلا مكتمل الصفات الإبداعية والجمالية، العنوان أيضا إبداع وعبقرية وجرأة وذكاء وذائقة، وفي صالح الكاتب أن يجتهد ويتعب من أجل أن يضمنه شحنة تأثيرية وإيحائية وإشهارية وجمالية، مراعاة كل هاته الوظائف لا يمكن إلا أن تخدم النص وتعلن عنه بالشكل اللائق به. أعرف كُتابا من كثرة إهتمامهم بقضية العنوان وانشغالهم بها أجلوا نشر أعمالهم لفترات طويلة لأنهم لم يعثروا على العنوان المناسب. ولكني أعرف أيضا من لا يكترث لمسألة العنونة ويعتبرها مجرد تسمية لا غير.
لكن العناوين الصادمة أو الجريئة تعتبر كسرا للطابوهات وأحيانا تعطي ملمحا ولو بالغلط عن فحوى الرواية؟
زهرة ديك: العنوان في رأيي ليس ملزما بأن يلخص محتوى النص بقدر ما هو مطالب باستخدام طاقته الفنية والإغرائية لإستدراج القارئ وتشويقه لإكتشاف عالم النص، ولكن لا يجب أن يكون العنوان بمثابة التفاح الشهي وما وراءه ليس أكثر من كدس بطاطا مثلا. أنا أحب العناوين وأحب أن أعول عليها، ويمتعني أن أشتغل عليها كثيرا لإيماني بها كمغامرة جمالية أولا وكعنصر هام في العملية الإبداعية ثانيا. بالنسبة لـ "قليل من العيب يكفي" صحيح أنه قد يوحي بأن الرواية مليئة بـ "العيب"، أي العيب بمعناه الحسي والجنسي وهي لفظة في مفهوم العامة تحيل مباشرة إلى المحرمات الجنسية، لكني لم أتعمد كسر الطابوهات فهي لا تكسر بمجرد عنوان ولم أنو تغليط القارئ أو غشه بعنوان مارق عن النص، من قرأ الرواية والتي أردتها أن تكون قطعة ساخنة منا كجزائريين وكعرب سوف يلاحظ ذاك الكم من العيب الطاغي على تفاصيلنا ومصائرنا وعلى حياتنا ككل. أليست كل العيوب منصبة علينا كأمة تفتقر إلى العدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية، أين نحن من القيم الأخلاقية، من الحق في الحياة اللائقة، بلا توتر، بلا خوف من الغد، بلا مظالم على كافة الأصعدة، بلا شعور باللاأمن واللاإستقرار المادي والمعنوي، من الحق في هوية راكزة مفرحة ومشرفة، في الصحة النفسية، في المزاج المتوازن، في الوجود المجدي المنتج الإيجابي إنسانيا وفكريا وعلميا، الحق في الثروات الوطنية، إلى غير ذلك من العيوب والتعاسة التي نسبح فيها..
"قليل من العيب يكفي" رواية الموضوعات الكثيرة والمتشابكة، والطَرق كان بمستويات مختلفة من السخرية إلى الدرامية، إلى التهكم والطرافة، لماذا هذه المعالجة المتصادمة مع بعضها البعض؟
زهرة ديك: هذه الرواية كتبتها للذين لا يعرفون الكراسي الوثيرة ولا يعرفون المكاتب المعطرة البراقة ولا ملمس السيارات الفارهة ولا يعرفون المطارات ولا الطائرات ولا أنواع الجبن ولا ماركات البدل والملابس، ولا يعرفون ربما تولستوي وكافكا وهمنغواي ولكنهم يعرفون بؤسهم الشخصي. يعرفون تعب حياتهم ويعرفون حقهم في جيب من. هي رواية أردتها أن تكون زاخرة بتفاصيل الإنسان الجزائري امراة كان أم رجلا، وكأني أردت أن أفعل له شيئا، أن قدم له شيئا، أن أقول له شيئا أو كل شيء، لذلك لم أكتف بحكاية واحدة وببطل واحد. عندما تحتدم بداخلك الأشياء وتزدحم في رأسك الأحداث وفي قلبك المواجع وتتناسل في جوفك الخيبات لابد أنك ستبكي حد الضحك وتضحك حد البكاء وتكتب حد الحنون والفوضى، حد التصادم كما قلتِ. الرواية يمكن أن تُقرأ على شكل أجزاء ولكنها مترابطة جميعها بشخصية "بهتة" المحورية "بهتة" السعيد في تعاسته، الفرح بشقائه لم يفلح في شيء مثلما فلح في تخزين بؤسه إلى أن قرر ذات نكسة أن يعاقب وطنه بالجنون ويفتك منه دوره ويجعله تحت إمرته. ومن فرط حرصي على أن أقبض على كثير من الأشياء بقلم واحد لم أدر إلا والشخصيات الثانوية تكبر وتتنامى وتتطور إلى أن تقوت وباتت تهدد وجود "بهتة" كبطل رئيسي في الرواية. التنوع والتنقل من حدث لآخر ومن حكاية لأخرى يبدو لي أنه في صالح القارئ ذي النفس القصير خاصة، فهو سوف لن يضجر من طول الرواية كما أن بامكانه ألا يقرأ سوى الجزء أو الحكاية التي راقته فيها بلا أن يشعر بأي انقطاع في خيطها السردي. وزيادة في تدليل القارئ تعمدت التركيز على عنصر الدعابة والطرافة في معالجة تفاصيل قاتمة وواقع مر لأخفف من سوداوية المناخات المخيمة على أحداث الرواية. ولا أعتبر ذلك تصادم بقدر ما هو تعاط صادق مع هواجسي ومع الآخر.
هناك ملامح بعض الذاتية الباهتة في روايتك، هل كل رواية تأخذ من كاتبها بالضرورة بعض تفاصيله وسيرته؟
زهرة ديك: مبعثرة أنا في نصوصي، مفضوحة في كلماتي، أعمالي لا يمكن إلا أن تكون أنا وإن ليست أنا، وما الكتابة إن لم تكن ذاك التراث النفسي والمزاجي وتلك الرؤى والأحلام والأوهام والمكبوتات والإحباطات والتوتر والقلق المزمن والإنتقام والتجارب والفقد والغضب، لا أعقد ولا أغمض من كيمياء الكتابة. الكتابة الأصيلة لابد أن تشبه كاتبها. أن تقوله بشكل ما، أن تفضحه أن تعريه بطريقة ما. كل مبدع يقبع وراء كلماته، يسرب من ذاته من تفاصيله فيها، فتتناسل المعاني ويزهر النص ذرية من جيناته الإبداعية والجمالية والفنية، الكتابة رائحتنا الخام، إفرازاتنا العزيزة، إن جاء النص هكذا فلأني أنا هكذا. آرنستو ساباتو يقول: "إن كل رواية عميقة سيرة ذاتية"، وتشيشون يذهب حد اعتبار السير الذاتية الحقيقية للكتاب موجودة في كتاباتهم لا في تلك الكتب السطحية التي تروي قصص حياتهم.
الرواية ضخمة بـ:352 صفحة في حين أغلب الروايات الجديدة لا تتعدى الـ200 صفحة أو أقل، القاريء أصبح ينفر من الروايات الطويلة، القاريء النخبوي تقريبا وحده من يقرأ هذه الروايات الطويلة بحكم تواجده في الوسط واشتغالاته الأدبية والنقدية، أم أن رهانك على القاريء النخبوي أهم؟
زهرة ديك: لا أراهن على أحد بالتحديد لأني أعرف مع الأسف أن قلة من هؤلاء وقلة من هؤلاء فقط تقرأ قراءة حقيقية، لم أتعمد تكبير حجم الرواية بل بالعكس وجدت بعض الصعوبة في قفل أحداثها، ربما ما جعل صفحاتها ضخمة كثرة الحكايات التي عالجتها، أربع حكايات تختلف كل واحدة عن الأخرى لكنها موصولة بشكل ما كما ذكرت سابقا بالشخصية المحورية "بهتة"، يمكن أن تقرأ كل واحدة منها على حِدَةٍ، ثم أني كما إني ذكرت أحببت أن أقول أشياء كثيرة عبر أحداث وشخصيات الرواية. حجم الرواية كبيرا كان أم صغيرا لا يعكس طبعا قيمتها ولا يعتبر مقياسا لأهميتها ونجاحها، الرواية الجيدة بمحتواها وحمولتها الإبداعية والفنية وكثافتها الجمالية لا بعدد صفحاتها كثيرة ة كانت أم قليلة.
قلت: "لم أركز في عملي كعادة الكتاب على المكان وإنما ركزت على الإنسان الجزائري"، هل المكان كفضاء وتيمة يتعارض مع الإنسان؟، أليس المكان والإنسان شريكين في فضاء الواقع والرواية؟
زهرة ديك: أنا منشغلة على الدوام بالإنسان الجزائري، أحسه مختلفا، منتقصا لشيء، يبحث عن شيء ما، ينوء بسر ما، بغضب ما بصمت ما، بحزن ما لا يدري منبعه، وفي هذا العمل خضت في تفاصيله وانخرطت في هواجسه وأسئلته وأوجاعه وغموضه. كان تيمة رئيسية في حين كان المكان تيمة متخفية أو الوجه الآخر لتيمة الإنسان، الإنسان والمكان وجهان لتيمة واحدة، وحدها المعالجة وتقنية السرد تظهر الكاتب منحازا لأحدهما، ومع ذلك لا أظن أني في هذا العمل تغاضيت كليا عن المكان، لعلي تناولته بشكل إيحائي وفلسفي ما جعل الإحساس به غامضا نوعا ما.
الملاحظ أن روايتك لم تأخذ حقها من النقد كفاية، وهو شأن معظم الأعمال الأدبية التي تصدر في الجزائر، ما رأيك؟، وككاتبة إلى أي مدى يعنيك النقد؟
زهرة ديك: وأي رواية أخذت حقها من النقد في الجزائر؟، سقطت من آمالنا هذه الكلمة، شخصيا نسيت شيئا إسمه نقد، ولا أكتب للنقاد، وأين هم النقاد؟، يكفيني أن يقرأني القارئ البسيط وأصدقائي وأفراد عائلتي، ولا أظن أنه هذا موقفي وحدي. ألِفنا الكتابة بلا نقد وكما قالت إحدى الكاتبات العربيات "نحن جيل بلا نقاد"، ولكنها ليست نهاية العالم، فالمبدع رغم حاجته للنقد إلا أنه لن يتوقف عن الكتابة ولن يثنيه ذلك عن الإنتاج، صحيح أن مستقبل الإبداع مرتبط بمدى الضوء الذي يسلط عليه لكن إبداعنا والأمر منسحب على كامل الوطن العربي تقريبا تعلم أن يكون يتيما وتعلم كيف يتولى أمره بنفسه، حيث أصبح المبدعون يتولون نقد بعضهم البعض في حين يظل النقاد مشغولين بكل شيء ما عدا النقد. وعموما ما عاد المبدعون ينتظرون نقدا يحفل بنصوصهم ويعلن عن قيمتها ويصنف مستواها وإن حدثت المعجزة وحظي نص بنقد فهو لن يكون أكثر من استعراض مفردات ومصطلحات نظرية رنانة لإبهار القارئ بما يقول الناقد لا بما يقول النص.
صُنفت كتاباتك وبخاصة "بين فكي وطن" و"في الجبة لا أحد" ضمن الأدب الاستعجالي، لكن رفضتِ هذا التصنيف بشدة وقلت أن الذين يقولون هذا يريدون إلصاق وصمة بالجيل الذي كتب أيام المحنة؟
زهرة ديك: ليست كتاباتي وحدها التي صنفت ووصمت بالأدب الإستعجالي، كل من كتب في تلك المرحلة العصيبة الدموية التي عاشتها الجزائر رجم بهكذا وصف. الفورة الإبداعية التي شهدتها فترة التسعينيات لم يكن مرحبا بها ولم تحتف بها أسماء أدبية راسخة في الوسط الثقافي ليس فقط ذلك بل ابتدعوا لها شتى التهم وألحقوا بها شتى النعوت "تقريرية، سطحية، ليست بعمق الأزمة، يغلب عليها الأسلوب الصحفي" إلى غير ذلك من العصي التي انهالت عليها، وكأنهم ما كانوا يحيون نفس المحنة، وما كانوا يعرفون أن تلك الكتابات تحدت صوت الرصاص ولم تأبه بخطر القتل المتربص بها وانبثقت من قلب الفجيعة واللهب، راحت تجاهد وتحارب وتشهد على جرائم صناع الموت والدمار وتؤرخ بطريقتها لحقبة عاصفة من تاريخنا وحياتنا أغرقتها حمرة الدماء طيلة عشرية وأزيد. لا أدري أي قياسا استخدمه هؤلاء النقاد إن كانوا كذلك فعلا لإبتداع هذه المصطلحات الظالمة والحاقدة والمغرضة، لا أدعي هنا أن كل ما كتب في تلك الفترة يرقى إلى مستويات إبداعية وفنية عالية لكن من اللامنطق ومن الجور الثقافي والأدبي أن نسارع ونلمها في كيس واحد ونشمعه بعلامة "استعجالية لا تصلح للاستهلاك"، لكن في الأخير ورغم الضرب الذي أكله جيل التسعينات ورغم محاولات بعض السابقين و"المتمرسين" في مجال الإبداع وإمعانهم في إفراغ إنتاجات التسعينيات من قيمتها والإستخفاف بها لم تتوقف عجلة الكتابة ولم ينضب سيل الإبداعات، وهاهي الساحة الأدبية تينع بأسماء كثيرة أثبتت مقدرتها وتميزها على الصعيد الداخلي والخارجي. ومهما يكن فهذا المصطلح في نظري آيل للسقوط إن لم يكن سقط على يد روائيين تحدوا ولازالوا قوى الإحباط والحسد والإفشال ونصوص بشير مفتي وياسمينة صالح وسمير قاسيمي وعبد الرزاق بوكبة وغيرهم كثر، سيشهد لها التاريخ وسيكافئها على شهاداتها وصدقيتها وتعاطيها المشرف والبطولي مع المواقف العصيبة التي مرت بها البلاد وسيبرهن أن الحكم عليها هو الذي كان استعجاليا.
كتابة الواقع إلى ماذا تحتاج أكثر، إلى التعاطي معه بفنية وبمخيالية موازية، بجنون، بحكمة، بدراية، بماذا تحديدا؟
زهرة ديك: كل شيء في الحياة ومنها الكتابة الإبداعية لابد وأن تستند على الواقع وإن كانت وهمية ومخيالية. الواقع صانعنا وصانع مصائرنا، هواجسنا، خيالنا، رؤانا، أحلامنا، خيباتنا، نجاحنا، عجزنا، جنوننا، أوهامنا، والعملية الإبداعية في حاجة إلى هذه الخلطة بكل مكوناتها، لكن اللغز الإبداعي في نظري لا يكمن في ما تحتاج إليه لكتابة الواقع. الواقع إناءنا ونحن غاطسين فيه أحببنا أم كرهنا، مشبعين بكل مكوناته ظاهرها وباطنها، المأزق الإبداعي يتمثل في ماذا نكتب؟ ما الشيء الذي لم يكتب عنه أحد لنكتب عنه؟، كيف يجب أن نكتب، ماذا يحب القارئ، أي لغة أي حكاية أي أسلوب أي أفكار أي شيء يرغب القارئ اليوم في العثور عليه وهو يقرأ رواية؟، أسئلة تؤرق كل مبدع يريد أن تصل نصوصه إلى أوسع شريحة من القراء ويريد أن يكون لأعماله أوسع صدى وأكبر رواج. والكاتب الناجح هو من يسعفه إما الحظ أو العبقرية في التكشف على أهواء القارئ ووضع قلمه على ما يتمنى قراءته. لا أظن أن ثمة كاتب لا يعيش على هذا الأمل.
أبطالك ضحايا الواقع والتاريخ والمحنة والظروف والأخطاء والقتل العبثي والمجاني والصراعات مع الذات؟، كيف هم أبطال روايتك القادمة، ضحايا ماذا؟، أم أنهم سيكونون أبطال الأمل والحياة؟
زهرة ديك: من منا لا يحب الفرح والأمل؟، لا أدري بالضبط، لكني أشعر كأن لي ميل للتفاؤل ومع ذلك لا أتوقع أن تكون شخوص أعمالي القادمة إن شاء الله غارقة في السعادة والحياة الهنيئة، من المؤكد أني سأسرب لها من قلقي وشكوكي واضطرابي وعقدي وكآبتي وخبثي وبراءتي وخيباتي وإحباطاتي وكل ما تختزنه دواخلي من تناقضات وأشياء غريبة وعجيبة. هذه الأشياء هي عتادي لأسبر أغوار الشخوص، ومعالجة المواضيع والأحداث لا مفر لها من ذلك. لكني أتمنى أن تكون نصوصي القادمة منشرحة وملونة رغم قتامة عمقها.
-----------------------------------
المصدر/ عن جريدة النصر الجزائرية
مقالات اخرى
الكاتب والناقد لونيس بن علي في حوار حول كتابه "الفضاء السردي في الرواية الجزائرية/ رواية الأميرة الموريسكية لمحمد ديب نموذجا":
لكاتبة الجزائرية رشيدة محمدي لمجلة "ذوات": المناهج الدراسية العربية تجعل من الطلاب، إما مشاريع إرهابيين أو كائنات محرومة من لذّة التفكير
الشاعرة التونسية إيمان عمارة : تم إغفال صوت المرأة الشاعرة على مدى التاريخ العربي
الجنس في الروايات العربية
كُتاب يستعيدون بختي بن عودة في ذكرى غيابه
الصحافة الثقافية في الجزائر.. تشخيص أزمة
موقع الرواية التاريخية في خارطة المقروئية العربية:
الذكرى الثانية لغياب الروائية يمينة مشاكرة
كُتاب عرب يتحدثون عن وردة الغناء في ذكرى رحيلها
الكاتب والمترجم الأردني فخري صالح في حوار حول كتاب "موت الناقد" للمؤلف رونان ماكدونالد:
نُقاد يجمعون على موت الناقد لا النقد ويصرحون:
عودة إلى أب الرواية المغاربية في ذكراه : محمد ديب : الهويّة المستعادة
"محمد ديب" أكبر كُتاب الجزائر لم يُقرأ بعد
الدكتور إسماعيل مهنانة في حوار حول كتابه الجديد:
فوبيا سهيلة بورزق
الكاتب الصحفي والباحث مهدي براشد في حديث عن كتابه "معجم العامية الدزيرية":
أي رسالة تحملها لنا أميرة الغناء الأمريكي ليدي غاغا
عم سلاما أيها الوطن
ثلث نساء العالم يتعرضن لاعتداءات جنسية وبدنية
هل تراني امرأة..؟
عمر السيدة عائشة حين تزوجت النبي عليه الصلاة و السلام
كيف تعرفين صديقتك الحقيقية؟
آه يا بلادي
حوار مع الشاعر والروائي ابراهيم نصر الله:
الكاتب والمترجم الكردي صباح إسماعيل في حوار حول الأدب والترجمة:
المختصة في مجال التنمية البشرية والتدريب سامية بن عكوش في حوار للنصر:
عياد: أنا كاتب إشكالي مهمتي طرق باب المغاير... وفي نصوصي نكهة تمرد
المتوج بجائزة الطيب صالح العالمية للرواية، الشاعر والروائي إسماعيل يبرير : في الجزائر ننظر بكثير من الشك إلى أعمالنا
لماذا انتحرت صافية كتو؟؟ تقديم و ترجمة: محمد عاطف بريكي
مصطفى الشعار: من يحترم أمه يحترم حقوق كل نساء العالم
الشاعرة الجزائرية المغتربة مليكة بومدين:
الشاعرة نوارة الأحرش تحاور الكاتب اللبناني جبور الدويهي
الأكاديمي والباحث والروائي اليامين بن تومي:
الكاتب والناقد حبيب مونسي في حوار عن الرواية الجزائرية
الشاعر والكاتب والمفكر أزراج عمر:
لماذا المرأة السعودية في دائرة الاتهام؟
مو يان: علينا قبول أن يعبّر كل جيل عن انفراده ويغير اللغة الأدبية
الكاتب والباحث والمترجم بوداود عمير:
بين الحلال و الحرام...واقع بلا كرامة للكاتبة الجزائرية هدى درويش
الشاعرة نصيرة محمدي:
ثقافة الإنسان العربي، بين الحقيقة و الإدعاء لهدى درويش
الكاتب والروائي والدبلوماسي المصري عز الدين شكري فشير:
فلسطين و المثقفون العرب ..ماذا بعد؟
فتوى تحرم على المرأة تناول الموز والخيار حتى لا تستثار جنسياً
ذكورية الفقه الإسلامي للمفكر محمد شحرور
"كل عيد استغلال و انتم بخير "
ناصر بوضياف نجل الرئيس الجزائري المغتال محمد بوضياف "الجزائر للجميع و مستقبلها بين أيدي الجزائريين"
الروائية اللبنانية لينة كريديّة:
الشاعرة والروائية الجزائرية ربيعة جلطي:
الشاعرة الجزائرية خالدية جاب الله:
الفيلم السينيمائي كقصيدة، برايت ستار نموذجا
الروائية السعودية رجاء عالم: أكتب للذين يشبهونني وتجربتي لا تمثل خصوصية سعودية
الروائي والكاتب كمال قرور في حوار عن روايته الأخيرة
الكاتب والمترجم الإيطالي سيموني سيبيليو
الشاعر والروائي اللبناني شربـل داغـر: استعذبت كتابة الرواية، فيما الشعر عملية مؤلمة
الكاتبة السورية مها حسن: الدافع الأول لكتابتي كأمرأة هو الدفاع عن فرديتي وسط المجموع!
عندما تكون الطفولة أنثى...نقيم عليها الحد
إسلام الآخرين..!
اليوم العالمي للبنطال سيدتي، أنت تخالفين القانون!
جرائم النخبة.. ظاهرة جديدة فى مصر الآن
تجمع كتاب أفريقيا في اللغة العربية
عن المثقف و المرأة
قصتي مع صاحبة أقاليم الخوف
لست متعاطفا مع غزة...!
أطفئ سيجارتك و أنت تتجول في هذا الموقع
هل ستشجع الجزائر يوم الأحد في مباراتها الأولي في كأس العالم؟
هل أدركنا دور المرأة في دعم الإرهاب؟؟؟
أحمد ترك يحمل القضية الكردية من ديار بكر إلى واشنطن
عكاظية الجزائر: حديث ذو شجون بين كمال قرور و شرف الدين شكري
حول عكاظية الشعر العربي في الجزائر
معهم الحياة أقل قسوة
المنفى ... هذا الأكثر وطنا
لماذا لا تقراؤن سلمان رشدي؟
الكاتب والناقد لونيس بن علي في حوار حول كتابه "الفضاء السردي في الرواية الجزائرية/ رواية الأميرة الموريسكية لمحمد ديب نموذجا":
لكاتبة الجزائرية رشيدة محمدي لمجلة "ذوات": المناهج الدراسية العربية تجعل من الطلاب، إما مشاريع إرهابيين أو كائنات محرومة من لذّة التفكير
الشاعرة التونسية إيمان عمارة : تم إغفال صوت المرأة الشاعرة على مدى التاريخ العربي
الجنس في الروايات العربية
كُتاب يستعيدون بختي بن عودة في ذكرى غيابه
الصحافة الثقافية في الجزائر.. تشخيص أزمة
موقع الرواية التاريخية في خارطة المقروئية العربية:
الذكرى الثانية لغياب الروائية يمينة مشاكرة
كُتاب عرب يتحدثون عن وردة الغناء في ذكرى رحيلها
الكاتب والمترجم الأردني فخري صالح في حوار حول كتاب "موت الناقد" للمؤلف رونان ماكدونالد:
نُقاد يجمعون على موت الناقد لا النقد ويصرحون:
عودة إلى أب الرواية المغاربية في ذكراه : محمد ديب : الهويّة المستعادة
"محمد ديب" أكبر كُتاب الجزائر لم يُقرأ بعد
الدكتور إسماعيل مهنانة في حوار حول كتابه الجديد:
فوبيا سهيلة بورزق
الكاتب الصحفي والباحث مهدي براشد في حديث عن كتابه "معجم العامية الدزيرية":
أي رسالة تحملها لنا أميرة الغناء الأمريكي ليدي غاغا
عم سلاما أيها الوطن
ثلث نساء العالم يتعرضن لاعتداءات جنسية وبدنية
هل تراني امرأة..؟
عمر السيدة عائشة حين تزوجت النبي عليه الصلاة و السلام
كيف تعرفين صديقتك الحقيقية؟
آه يا بلادي
حوار مع الشاعر والروائي ابراهيم نصر الله:
الكاتب والمترجم الكردي صباح إسماعيل في حوار حول الأدب والترجمة:
المختصة في مجال التنمية البشرية والتدريب سامية بن عكوش في حوار للنصر:
عياد: أنا كاتب إشكالي مهمتي طرق باب المغاير... وفي نصوصي نكهة تمرد
المتوج بجائزة الطيب صالح العالمية للرواية، الشاعر والروائي إسماعيل يبرير : في الجزائر ننظر بكثير من الشك إلى أعمالنا
لماذا انتحرت صافية كتو؟؟ تقديم و ترجمة: محمد عاطف بريكي
مصطفى الشعار: من يحترم أمه يحترم حقوق كل نساء العالم
الشاعرة الجزائرية المغتربة مليكة بومدين:
الشاعرة نوارة الأحرش تحاور الكاتب اللبناني جبور الدويهي
الأكاديمي والباحث والروائي اليامين بن تومي:
الكاتب والناقد حبيب مونسي في حوار عن الرواية الجزائرية
الشاعر والكاتب والمفكر أزراج عمر:
لماذا المرأة السعودية في دائرة الاتهام؟
مو يان: علينا قبول أن يعبّر كل جيل عن انفراده ويغير اللغة الأدبية
الكاتب والباحث والمترجم بوداود عمير:
بين الحلال و الحرام...واقع بلا كرامة للكاتبة الجزائرية هدى درويش
الشاعرة نصيرة محمدي:
ثقافة الإنسان العربي، بين الحقيقة و الإدعاء لهدى درويش
الكاتب والروائي والدبلوماسي المصري عز الدين شكري فشير:
فلسطين و المثقفون العرب ..ماذا بعد؟
فتوى تحرم على المرأة تناول الموز والخيار حتى لا تستثار جنسياً
ذكورية الفقه الإسلامي للمفكر محمد شحرور
"كل عيد استغلال و انتم بخير "
ناصر بوضياف نجل الرئيس الجزائري المغتال محمد بوضياف "الجزائر للجميع و مستقبلها بين أيدي الجزائريين"
الروائية اللبنانية لينة كريديّة:
الشاعرة والروائية الجزائرية ربيعة جلطي:
الشاعرة الجزائرية خالدية جاب الله:
الفيلم السينيمائي كقصيدة، برايت ستار نموذجا
الروائية السعودية رجاء عالم: أكتب للذين يشبهونني وتجربتي لا تمثل خصوصية سعودية
الروائي والكاتب كمال قرور في حوار عن روايته الأخيرة
الكاتب والمترجم الإيطالي سيموني سيبيليو
الشاعر والروائي اللبناني شربـل داغـر: استعذبت كتابة الرواية، فيما الشعر عملية مؤلمة
الكاتبة السورية مها حسن: الدافع الأول لكتابتي كأمرأة هو الدفاع عن فرديتي وسط المجموع!
عندما تكون الطفولة أنثى...نقيم عليها الحد
إسلام الآخرين..!
اليوم العالمي للبنطال سيدتي، أنت تخالفين القانون!
جرائم النخبة.. ظاهرة جديدة فى مصر الآن
تجمع كتاب أفريقيا في اللغة العربية
عن المثقف و المرأة
قصتي مع صاحبة أقاليم الخوف
لست متعاطفا مع غزة...!
أطفئ سيجارتك و أنت تتجول في هذا الموقع
هل ستشجع الجزائر يوم الأحد في مباراتها الأولي في كأس العالم؟
هل أدركنا دور المرأة في دعم الإرهاب؟؟؟
أحمد ترك يحمل القضية الكردية من ديار بكر إلى واشنطن
عكاظية الجزائر: حديث ذو شجون بين كمال قرور و شرف الدين شكري
حول عكاظية الشعر العربي في الجزائر
معهم الحياة أقل قسوة
المنفى ... هذا الأكثر وطنا
لماذا لا تقراؤن سلمان رشدي؟