سرديات عودة
"عصر الغواني" لمحمد رفعت على عيد (الأربعاء 28 ت2 2012)
ألم يهمس إبليس يوما في أذنك موسوسا واستطاع بمكره وطلاوة لسانه أن يخدعك فتصحبه كالغر الي ملهي "الفانتازيا" الليلي بشارع الهرم كي تشاهد "رباب" راقصة الراقصات التي يحتشد لها كل مساء سقط المتاع من برجوازي قاهرة المعز وأفاقي الرأسمالية العفنة الباحثين بلا كلل عن شتي المسرات والمتع 0
أظنك تستغرب سؤالي لكنك بالطبع لن تترك قصتي جانبا فالمؤكد أنك شغف لمعرفة أحداثها المحزنة!.
أنهت "رباب" رقصتها وبدا أن أمرا جللا يشغل رأسها فقد انطلقت بسيارتها متعجلة . لم تلحظ قبل أن تجتاز نهاية نفق الجيزة فتي أهوج يقود سيارته "السبورت" ويبدو أنها قد ألهبت رأسه بجمالها الفتان فوسوست له حماقته أن يغازلها بسماجته فاختل المقود بين يديه وانحرف ليصطدم بسيارة معشوقته التي اندفعت نحو كشك صغير يربض علي طوار ضيق قذر فحطمته وتعالت صرخات "أم رمضان " صاحبته مختلطا بصراخ رضيعها الذي احتضنته بذراعين تصلبا فلم يفلتاه ! .
بعد عشر دقائق بالضبط جاءت "امبيولانس "فاخرة سرعان مانقلت ست الحسن والجمال في دقائق معدودات الي مستشفي خمس نجوم!!
ألم أؤكد لك ياعزيزي أنك لن تترك قصتي جانبا ؟
تصور.. أم رمضان ظلت ملقاة علي الطوار تنزف رأسها زمنا تثاقلت عقاربه كسلحفاة غبية وطفلها الرضيع لم يتوقف صراخه المؤلم لحظة.
احتار الجمع الذي تحلق حولها قد علت أصواتهم غضبي وتأججت في صدورهم نار تتلظي لما يحدث.
اقترب عربجي بعربته الكارو وحملها وطفلها الي أقرب مستشفي حكومي فمن رابع المستحيلات أن تأتيها "أمبيولانس حكومي " قبل ساعة وربما أكثر وقد لاتأتي!
استغرق الطبيب المنوب زمنا طويلا ليلبي نداء واجبه المقدس فليس "منطقيا" أن يهرع تاركا فنجان شايه الساخن دون أن يكمل احتساءه ! .
أتي متهاديا كمن يسير متنزها برفقة صديقته وأقبل علي "أم رمضان " متباطئا وتأفف قائلا: كسر في الجمجمة واشتباه في ارتجاج بالمخ وأيضا كسر بالترقوة اليمني وأخطر مافي حالتها نزيف داخلي كان المفروض نقلها الي المستشفي فور الحادث مباشرة لسرعة وقفه.
انتزعت ممرضة عجفاء متجهمة الوجه طفلها الذي التقم حلمة ثديها لم يتركها منذ مجيئها ثم غطت وجهها الشاحب بملاءة من نسيج البوليستر الصيني المائل الي البياض معلنة موتها.
قام الفتي "رمضان" ابنها البكر ومعه أخان يصغرانه بدفنها في احدي مقابر الصدقة ولم يشيعها معهم سوي رجلان أحدهما ضرير رث الثياب والآخر أعرج أبله وسادسهم كلب أجرب جائع مشي خلفهم يتشمم الأرض باحثا عن كسرة خبز!
ظل جامد الوجه قد تلبد غضبا ولم يجب من واساه لمقتلها وكذا لم تغرورق عيناه كإبن بار فقد أمه !
انفض مشهد دفنها الحزين فلا مشيعون يدفئون جنازتها أو مقرئ ولو أعمي يتلو بعض قصار السور خلاصا لروحها كأنها نكرة لم يكن وجودها سوي عدم شأن أغلب فقراء هذا العالم النكد !
هذا ماحدث بكل دقة وصدق عند الجانب المظلم من القمر أما ما حدث عند جانبه المشرق فجد مختلف.
رقدت الجميلة "رباب" علي فراش وثير في "سويت" فخم مشرق وضاء قد اصطفت في أنحائه بوكيهات الورود المختلفة ألوانها ووقفت فتاتان رشيقتان عند مدخل ردهته تستقبلان زوارها من السادة والهوانم رواد ملهاها وكذا ثالثة شقراء في يدها سماعة تليفون وردي اللون تجيب بصوت موسيقي خلاب مكالمات منهمرة لاتتوقف وأيضا ممرضة هيفاء أشبه بعارضة أزياء في أناقتها وجمالها تغسل أرضية السويت بماء الورد المصفي !.
ضلعان كسرا في صدرها التأما في زمن قياسي فاستردت حيويتها وتورد وجهها وعادت اليه نضارته وأعلن أطباء الكونسولتوأنها قد تعافت وتجاوزت محنتها ويمكنها العودة الي عشاقها ومعجبيها .
ابتسم طبيبها عند عيادتها مؤكدا شفاءها وحدد مغادرتها صباح الغد .
أشرقت شمس الغد الباسم وجاءت وفود المهنئين بسياراتهم لاصطحابها الي فيلتهابالمعادي وهشت الوجوه فرحة بشفاء ملكتهم وعودتها سالمة إلي "الفانتازيا" لكن صرخة مشرفة السويت حولت الفرحة الي غم وأسي .. لقد طعنت رباب في قلبها بسكين انغرس الي مقبضه تركه قاتلها لم ينتزعه!
محمد رفعت على عيد
التعليق
ألم يهمس إبليس يوما في أذنك موسوسا واستطاع بمكره وطلاوة لسانه أن يخدعك فتصحبه كالغر الي ملهي "الفانتازيا" الليلي بشارع الهرم كي تشاهد "رباب" راقصة الراقصات التي يحتشد لها كل مساء سقط المتاع من برجوازي قاهرة المعز وأفاقي الرأسمالية العفنة الباحثين بلا كلل عن شتي المسرات والمتع 0
أظنك تستغرب سؤالي لكنك بالطبع لن تترك قصتي جانبا فالمؤكد أنك شغف لمعرفة أحداثها المحزنة!.
أنهت "رباب" رقصتها وبدا أن أمرا جللا يشغل رأسها فقد انطلقت بسيارتها متعجلة . لم تلحظ قبل أن تجتاز نهاية نفق الجيزة فتي أهوج يقود سيارته "السبورت" ويبدو أنها قد ألهبت رأسه بجمالها الفتان فوسوست له حماقته أن يغازلها بسماجته فاختل المقود بين يديه وانحرف ليصطدم بسيارة معشوقته التي اندفعت نحو كشك صغير يربض علي طوار ضيق قذر فحطمته وتعالت صرخات "أم رمضان " صاحبته مختلطا بصراخ رضيعها الذي احتضنته بذراعين تصلبا فلم يفلتاه ! .
بعد عشر دقائق بالضبط جاءت "امبيولانس "فاخرة سرعان مانقلت ست الحسن والجمال في دقائق معدودات الي مستشفي خمس نجوم!!
ألم أؤكد لك ياعزيزي أنك لن تترك قصتي جانبا ؟
تصور.. أم رمضان ظلت ملقاة علي الطوار تنزف رأسها زمنا تثاقلت عقاربه كسلحفاة غبية وطفلها الرضيع لم يتوقف صراخه المؤلم لحظة.
احتار الجمع الذي تحلق حولها قد علت أصواتهم غضبي وتأججت في صدورهم نار تتلظي لما يحدث.
اقترب عربجي بعربته الكارو وحملها وطفلها الي أقرب مستشفي حكومي فمن رابع المستحيلات أن تأتيها "أمبيولانس حكومي " قبل ساعة وربما أكثر وقد لاتأتي!
استغرق الطبيب المنوب زمنا طويلا ليلبي نداء واجبه المقدس فليس "منطقيا" أن يهرع تاركا فنجان شايه الساخن دون أن يكمل احتساءه ! .
أتي متهاديا كمن يسير متنزها برفقة صديقته وأقبل علي "أم رمضان " متباطئا وتأفف قائلا: كسر في الجمجمة واشتباه في ارتجاج بالمخ وأيضا كسر بالترقوة اليمني وأخطر مافي حالتها نزيف داخلي كان المفروض نقلها الي المستشفي فور الحادث مباشرة لسرعة وقفه.
انتزعت ممرضة عجفاء متجهمة الوجه طفلها الذي التقم حلمة ثديها لم يتركها منذ مجيئها ثم غطت وجهها الشاحب بملاءة من نسيج البوليستر الصيني المائل الي البياض معلنة موتها.
قام الفتي "رمضان" ابنها البكر ومعه أخان يصغرانه بدفنها في احدي مقابر الصدقة ولم يشيعها معهم سوي رجلان أحدهما ضرير رث الثياب والآخر أعرج أبله وسادسهم كلب أجرب جائع مشي خلفهم يتشمم الأرض باحثا عن كسرة خبز!
ظل جامد الوجه قد تلبد غضبا ولم يجب من واساه لمقتلها وكذا لم تغرورق عيناه كإبن بار فقد أمه !
انفض مشهد دفنها الحزين فلا مشيعون يدفئون جنازتها أو مقرئ ولو أعمي يتلو بعض قصار السور خلاصا لروحها كأنها نكرة لم يكن وجودها سوي عدم شأن أغلب فقراء هذا العالم النكد !
هذا ماحدث بكل دقة وصدق عند الجانب المظلم من القمر أما ما حدث عند جانبه المشرق فجد مختلف.
رقدت الجميلة "رباب" علي فراش وثير في "سويت" فخم مشرق وضاء قد اصطفت في أنحائه بوكيهات الورود المختلفة ألوانها ووقفت فتاتان رشيقتان عند مدخل ردهته تستقبلان زوارها من السادة والهوانم رواد ملهاها وكذا ثالثة شقراء في يدها سماعة تليفون وردي اللون تجيب بصوت موسيقي خلاب مكالمات منهمرة لاتتوقف وأيضا ممرضة هيفاء أشبه بعارضة أزياء في أناقتها وجمالها تغسل أرضية السويت بماء الورد المصفي !.
ضلعان كسرا في صدرها التأما في زمن قياسي فاستردت حيويتها وتورد وجهها وعادت اليه نضارته وأعلن أطباء الكونسولتوأنها قد تعافت وتجاوزت محنتها ويمكنها العودة الي عشاقها ومعجبيها .
ابتسم طبيبها عند عيادتها مؤكدا شفاءها وحدد مغادرتها صباح الغد .
أشرقت شمس الغد الباسم وجاءت وفود المهنئين بسياراتهم لاصطحابها الي فيلتهابالمعادي وهشت الوجوه فرحة بشفاء ملكتهم وعودتها سالمة إلي "الفانتازيا" لكن صرخة مشرفة السويت حولت الفرحة الي غم وأسي .. لقد طعنت رباب في قلبها بسكين انغرس الي مقبضه تركه قاتلها لم ينتزعه!
محمد رفعت على عيد
التعليق