سرديات عودة
الروائية العراقية ليلى القصراني تفجر قنبلة الموسم الأدبي في العالم العربي (الجمعة 20 ك2 2012)
ليلى قصراني
في صيف 2007 أرسلتُ روايتي «سهدوثا» (لم تكن منشورة بعد) إلى الصديق سنان أنطون للقراءة وإبداء الرأي بعدما وافق على ذلك. وما زلتُ أحتفظ بالبريد الالكتروني للمراسلات بيننا والتي تثبت بالدليل القاطع أن أنطون قرأ الرواية.
وبسبب انقطاعي عن الوسط الثقافي في العالم العربي وإقامتي في الولايات المتحدة لم أتقدَّم بروايتي للنشر حتى العام 2010 حيث تقدَّمتُ بها إلى «دار الغاوون» التي نشرتها مشكورةً في الشهر الأخير من السنة نفسها.
وفي تلك السنة أيضاً صدرت رواية «وحدها شجرة الرمّان» لسنان أنطون، والتي للأسف لم يتسنَّ لي الاطلاع عليها آنذاك، كما أن أنطون لم يُبادر إلى إهدائي نسخة منها، بل إنه تجاهل كل مراسلاتي له خلال السنتَين الماضيتَين... إلى أن نبَّهتني إحدى الصديقات قبل أيام، بعدما قرأتْ رواية سنان أنطون، إلى وجود تشابه كبير بين الروايتين، حيث هنالك تطابق غير بريء بين عشرات المشاهد!
وكم كانت صدمتي - بل خيبتي بصديقي - كبيرة بعدما اشتريتُ الرواية وبدأتُ قراءتها.
وكي لا يظن القارئ أنني أتهم بلا سند ودليل ملموس سنان أنطون بالسطو على روايتي، سأورد بعض الأدلة التي لا يمكن لإنسان أن يشك بعد قراءتها بصحّة ما أقوله، خصوصاً أنني أملك الدليل كما قلت، وهو البريد الالكتروني بيني وبين أنطون، والذي يُثبت أنه قرأ روايتي صيف العام 2007.
في الآتي أورد مقاطعَ وجملاً من رواية سنان أنطون (بخط ثخين) ويلي كل منها المقطع الذي تمَّت سرقته من روايتي (بخط رفيع):
أزحتُ الستارة فرأيت سيّارة أجرة وفوقها تابوت لُفَّ بعلم... كان سائق سيّارة الأجرة الأصلع قد أتمَّ فك الحبال التي كانت تُثبِّتُ التابوت.
أوقفوني وأنا مارّ بالقرب من مقرّ الحزب. استأجروني رغماً عنّي. ربطوا تابوتاً فوق سيّارتي، هكذا، مثل قطعة أثاث مستعملة. قتيل حرب داخل صندوق في أعلى المركبة. لا أكياس الثلج ولا الأطياب استطاعت أن تخفّف رائحة الموت. في أول كيلومتر قطعته السيّارة ذاب الثلج وبدأ الماء يتقطّر على ذراعي الممتدّة من الشبّاك، وأنا أسوق والجالس بجانبي عسكري يدخّن بهدوء. اتجهنا إلى بيت القتيل، سمعتْ أمّه الخبر قبل لحظات. ابنها أنتن منذ أربعة أيام. رأتني أفكّ الحبال من حول الصندوق. تركناه بلا كرامة في باحة البيت، ورحلنا.
تذكَّرت كيف استعددنا لحرب 1991 وغلَّفنا شبَّاك الحمَّام بالورق وبالشريط اللاصق من الخارج والداخل كما نصحونا على التلفزيون على أساس أن ذلك سيحمينا من هجوم كيماوي... بعد أسابيع من القصف استيقظنا ذات صباح لنجد السماء سوداء. كان دخان آبار الكويت يغطي السماء. سقط مطر أسود بعدها بلَّل كل شيء بالسخام.
وضعَ طبقات سميكة من الإسفنج في كل فتحات الغرفة من أبواب وشبابيك وأحكمها بعناية، ثمَّ ختمها بالخشب، كي يستحيل على الكيمياوي التسرُّب إلى الداخل. ولأنَّ الوقت كان شتاء، أشعل المدفأة في الليلة الثالثة من القصف. والمدفأة النفطية رغم شكلها البريء، قتلته. دخَّنت بعدما نفدَ النفط فيها لأنه نسيَها ونام، فاحترقت فتيلتها وبدأت تُصدر أول أوكسيد الكربون، فاختنق ومات.
وضعت الرز الأصفر الذي كانت قد سخَّنته في صحن كبير... كان مخلوطاً باللوز والزبيب وقطع الدجاج وتفوح منه رائحة الزعفران.
كانت الخراف محشوّة بالأرز الأصفر واللوز ومزيّنة بحبّات الرمّان، ورائحة الزعفران تملأ المكان.
لم أكن ماهرة جداً في الطبخ لكنني حاولت بجدّ واستعنت بخالتي ونسختُ وصفات جدّتي الشهيرة.
وصفتها التي ورثتُها عن جدَّتي القرويّة.
سألتُ مهدي إن كان يحب الرمّان فأومأ بالإيجاب.
كان كرّومي جارنا يتحسَّر لأنه لا يقدر أن يسرق الرمّان من بستانهم.
المرَّة الوحيدة التي بكى بها فيها أبي كانت عندما سمع بخبر موت أخي أمير.
خوفاً من أن يراها أبي فيبكي هو أيضاً على أخيه الأصغر.
شعرتُ بشي من الرهبة وأنا أقف خلف أبي.
صارت لديّ رهبة من وداعة أمّي.
كانت هذه أول مرّة أرى فيها إنساناً ميتاً عن كثب.
رغم أنها لم تكن المرّة الأولى التي يرون فيها قتيلاً.
فاتحتُه برغبتي في ألا أُنجب إلا بعد إكمال الدراسة.
لماذا تزوّجت تمارا؟ كان عليها إنهاء دراستها.
وضعتُ يدي اليمنى على نهدها ثم حاولت أن أفكّك أزرار قميصها.
فكّ يعقوب أزرار ثوبها فقفز نهدها الأيمن.
ذات فجر استيقظنا على دوي...
عندما استيقظنا مذعورين...
لماذا كنتُ أكذب حين يسألني البعض عن مهنة أبي فأقول صاحب محل فقط.
كنتُ أظن وأنا صغيرة بأن أبي دكتور.
فقال لي بأنه لن يتقاعد أبداً.
قال: التقاعد عندي يعني الموت.
... إلخ حيث ثمة الكثير الكثير من الأمثلة والسرقات التي لا يتسع هذا المقال لذكرها كلّها، بل إن سنان أنطون يستعمل المصطلحات ذاتها في روايتي مثل «يواش يواش»!!
وكما قلت وأكرِّر: ما كنتُ لأفتح فمي بذلك لولا أن لديَّ الدليل بأن سنان أنطون قد قرأ روايتي صيف 2007.
ملاحظة: لم أكن أريد أن أُقحم مجلة «الغاوون» في القضية، كون «دار الغاوون» هي ناشر روايتي، وبالتالي لا أريد للمسألة أن تأخذ طابع الانحياز مع جهة ضدّ أخرى... لكن الصحف التي راسلتُها رفضتْ نشر مقالتي لأسباب شِلليَّة لا تخفى على أحد.
نقلا عن :
«الغاوون»، العدد 46، 10 كانون الثاني 2012
http://www.alghawoon.com/
ليلى قصراني
في صيف 2007 أرسلتُ روايتي «سهدوثا» (لم تكن منشورة بعد) إلى الصديق سنان أنطون للقراءة وإبداء الرأي بعدما وافق على ذلك. وما زلتُ أحتفظ بالبريد الالكتروني للمراسلات بيننا والتي تثبت بالدليل القاطع أن أنطون قرأ الرواية.
وبسبب انقطاعي عن الوسط الثقافي في العالم العربي وإقامتي في الولايات المتحدة لم أتقدَّم بروايتي للنشر حتى العام 2010 حيث تقدَّمتُ بها إلى «دار الغاوون» التي نشرتها مشكورةً في الشهر الأخير من السنة نفسها.
وفي تلك السنة أيضاً صدرت رواية «وحدها شجرة الرمّان» لسنان أنطون، والتي للأسف لم يتسنَّ لي الاطلاع عليها آنذاك، كما أن أنطون لم يُبادر إلى إهدائي نسخة منها، بل إنه تجاهل كل مراسلاتي له خلال السنتَين الماضيتَين... إلى أن نبَّهتني إحدى الصديقات قبل أيام، بعدما قرأتْ رواية سنان أنطون، إلى وجود تشابه كبير بين الروايتين، حيث هنالك تطابق غير بريء بين عشرات المشاهد!
وكم كانت صدمتي - بل خيبتي بصديقي - كبيرة بعدما اشتريتُ الرواية وبدأتُ قراءتها.
وكي لا يظن القارئ أنني أتهم بلا سند ودليل ملموس سنان أنطون بالسطو على روايتي، سأورد بعض الأدلة التي لا يمكن لإنسان أن يشك بعد قراءتها بصحّة ما أقوله، خصوصاً أنني أملك الدليل كما قلت، وهو البريد الالكتروني بيني وبين أنطون، والذي يُثبت أنه قرأ روايتي صيف العام 2007.
في الآتي أورد مقاطعَ وجملاً من رواية سنان أنطون (بخط ثخين) ويلي كل منها المقطع الذي تمَّت سرقته من روايتي (بخط رفيع):
أزحتُ الستارة فرأيت سيّارة أجرة وفوقها تابوت لُفَّ بعلم... كان سائق سيّارة الأجرة الأصلع قد أتمَّ فك الحبال التي كانت تُثبِّتُ التابوت.
أوقفوني وأنا مارّ بالقرب من مقرّ الحزب. استأجروني رغماً عنّي. ربطوا تابوتاً فوق سيّارتي، هكذا، مثل قطعة أثاث مستعملة. قتيل حرب داخل صندوق في أعلى المركبة. لا أكياس الثلج ولا الأطياب استطاعت أن تخفّف رائحة الموت. في أول كيلومتر قطعته السيّارة ذاب الثلج وبدأ الماء يتقطّر على ذراعي الممتدّة من الشبّاك، وأنا أسوق والجالس بجانبي عسكري يدخّن بهدوء. اتجهنا إلى بيت القتيل، سمعتْ أمّه الخبر قبل لحظات. ابنها أنتن منذ أربعة أيام. رأتني أفكّ الحبال من حول الصندوق. تركناه بلا كرامة في باحة البيت، ورحلنا.
تذكَّرت كيف استعددنا لحرب 1991 وغلَّفنا شبَّاك الحمَّام بالورق وبالشريط اللاصق من الخارج والداخل كما نصحونا على التلفزيون على أساس أن ذلك سيحمينا من هجوم كيماوي... بعد أسابيع من القصف استيقظنا ذات صباح لنجد السماء سوداء. كان دخان آبار الكويت يغطي السماء. سقط مطر أسود بعدها بلَّل كل شيء بالسخام.
وضعَ طبقات سميكة من الإسفنج في كل فتحات الغرفة من أبواب وشبابيك وأحكمها بعناية، ثمَّ ختمها بالخشب، كي يستحيل على الكيمياوي التسرُّب إلى الداخل. ولأنَّ الوقت كان شتاء، أشعل المدفأة في الليلة الثالثة من القصف. والمدفأة النفطية رغم شكلها البريء، قتلته. دخَّنت بعدما نفدَ النفط فيها لأنه نسيَها ونام، فاحترقت فتيلتها وبدأت تُصدر أول أوكسيد الكربون، فاختنق ومات.
وضعت الرز الأصفر الذي كانت قد سخَّنته في صحن كبير... كان مخلوطاً باللوز والزبيب وقطع الدجاج وتفوح منه رائحة الزعفران.
كانت الخراف محشوّة بالأرز الأصفر واللوز ومزيّنة بحبّات الرمّان، ورائحة الزعفران تملأ المكان.
لم أكن ماهرة جداً في الطبخ لكنني حاولت بجدّ واستعنت بخالتي ونسختُ وصفات جدّتي الشهيرة.
وصفتها التي ورثتُها عن جدَّتي القرويّة.
سألتُ مهدي إن كان يحب الرمّان فأومأ بالإيجاب.
كان كرّومي جارنا يتحسَّر لأنه لا يقدر أن يسرق الرمّان من بستانهم.
المرَّة الوحيدة التي بكى بها فيها أبي كانت عندما سمع بخبر موت أخي أمير.
خوفاً من أن يراها أبي فيبكي هو أيضاً على أخيه الأصغر.
شعرتُ بشي من الرهبة وأنا أقف خلف أبي.
صارت لديّ رهبة من وداعة أمّي.
كانت هذه أول مرّة أرى فيها إنساناً ميتاً عن كثب.
رغم أنها لم تكن المرّة الأولى التي يرون فيها قتيلاً.
فاتحتُه برغبتي في ألا أُنجب إلا بعد إكمال الدراسة.
لماذا تزوّجت تمارا؟ كان عليها إنهاء دراستها.
وضعتُ يدي اليمنى على نهدها ثم حاولت أن أفكّك أزرار قميصها.
فكّ يعقوب أزرار ثوبها فقفز نهدها الأيمن.
ذات فجر استيقظنا على دوي...
عندما استيقظنا مذعورين...
لماذا كنتُ أكذب حين يسألني البعض عن مهنة أبي فأقول صاحب محل فقط.
كنتُ أظن وأنا صغيرة بأن أبي دكتور.
فقال لي بأنه لن يتقاعد أبداً.
قال: التقاعد عندي يعني الموت.
... إلخ حيث ثمة الكثير الكثير من الأمثلة والسرقات التي لا يتسع هذا المقال لذكرها كلّها، بل إن سنان أنطون يستعمل المصطلحات ذاتها في روايتي مثل «يواش يواش»!!
وكما قلت وأكرِّر: ما كنتُ لأفتح فمي بذلك لولا أن لديَّ الدليل بأن سنان أنطون قد قرأ روايتي صيف 2007.
ملاحظة: لم أكن أريد أن أُقحم مجلة «الغاوون» في القضية، كون «دار الغاوون» هي ناشر روايتي، وبالتالي لا أريد للمسألة أن تأخذ طابع الانحياز مع جهة ضدّ أخرى... لكن الصحف التي راسلتُها رفضتْ نشر مقالتي لأسباب شِلليَّة لا تخفى على أحد.
نقلا عن :
«الغاوون»، العدد 46، 10 كانون الثاني 2012
http://www.alghawoon.com/