سرديات عودة
الحجاب و النقاب و ما بينهما... (الأحد 25 نيسان 2010)
التعليق
كتب: الدكتور محي الدين عميمور
مثل شعبي يُجسد وضعية تناقض غريبة، يقول: كُلْ ما يُعجبك والبسْ ما يعجب الناس، في حين أن ما يعجبك من المأكولات قد لا يناسب الصحة، وخصوصا في عُمْر معين، وأن يُلبس ما يعجب الناس قد لا يهم إلا من يـبحث عن الإعجاب، وفي غير هذا فكل حرٌّ فيما يلبسه أو لا يرتديه.
والجزء الثاني هو ما يعنيني اليوم، فأنا أرفض المزايدة الدينية التي تتهم كلا منا ضمنيا بأنه متناقض مع الدين رافض لأحكامه لمجرد أنه لا يقبل تفسيرات معينة، هي جزء من تداعيات فتاوى خرج بها علينا «ميكانيكيو» الفتاوى الجدد، وكان منها ما سمعناه عندما تواترت الأخبار عن مغتصبات مسلمات في البوسنة، حرّمت الإجهاض بالنسبة لحرائر ترك مجرمو الصرب في أحشائهن جرائمهم الدنسة، وقلت يومها بأنه كان على «الميكانيكي» دعوة شباب المسلمين إلى الزواج من المغتصبات، سترا لهن وكسبا لمولود سيكون مسلما بالضرورة.
وقلت لو أن المفتي ووجه بوضعية مماثلة لإحدى قريباته لأرسلها إلى بلد غربي لإجراء الإجهاض أيا كانت مدة الحمل، وهو قمة النفاق الذي يرفضه دين حنيف ندد بالمنافقين أضعاف تنديده بالكفار.
وكنت يومها تساءلت كيف يعرف رجل إفتاء ضرير بأن سروال «الجينز» يبرز المفاتن، إلا إذا كان رأى ذلك بيديه.
وأنا لست ضد أن ترتدي المرأة، أو لا ترتدي، ما تريد، لكنني أرفض النفاق، ولا أغمض عيني وأحبس لساني في فمي تجاه ممارسات أرى فيها خطرا على المجتمع، وسواء تعلق الأمر بملابس خليعة تكشف أكثر مما تخفي وتستنفر غرائز شبابنا بما يمكن أن يلقي بهم في براثن ممارسات جنسية منحرفة أو خاطئة، أو كان ذلك خيمة سوداء تحجب كل شيء تلتف حوله وتخفي هويته، فلا تعرف إن كان رجلا أو مومسا أو حمقاء أفهمَها من يزيد عليها حمقا بأن هذه إرادة رب العباد.
وبغض النظر عن أن دعاوى الإرهاب الغربية هي دعاوى مشبوهة فإنني أتفهم جيدا رفض كل الدول المتحضرة للنقاب، ولمجرد أن الإسلام لا يرى في وجه المرأة ويديها عورة، بل إنه يمنع تغطية الوجه حيث يختلط الرجال والنساء في أداء شعائر الحج.
ويأتي هنا أمر آخر يتعلق بالحجاب، وهو من حق أي امرأة مسلمة ترتديه بإرادتها الواعية وبعيدا عن إذعان لزوج أحمق أو مجتمع جاهل، لأنه لا يعني إطلاقا عملية الاستعراض الذي يدفع نحوها باعة الحجاب، ويُحوّل بعض النسوة إلى كرنفال متحرك يستعمل ألوانا مثيرة تتكامل مع ماكياج للوجه يفتقد كل وقار واتزان، ويتنازع الأحمر فيه الوردي، والأزرق السماوي ألوان الموف (mauve) ثم يفرض علينا ذلك وإلا أخرجنا من ملة الإسلام.
وسنجد من المثير أن تلبس المحجبة حذاء عالي الكعب يجعل أجزاء جسمها تتراقص مع كل خطوة، وهو ما يشكل إثارة جنسية تتجاوز ما يحدثه العري نفسه، والذي خلدته لوحات فنية مشهورة لا يشعر المرء أمامها بغير الإعجاب بروعة الرسم ودقة الأداء وانسجام الألوان.
ويأتي هنا أمران، لاحظت أولهما في برنامج ديني تقدمه منافقة محجبة في مقتبل العمر عبر فضائية عربية، فهي لا تكتفي بأن تتقدم للجمهور بما يجعل منها أقرب إلى المانيكان التي تسوق لأزياء معينة، لكنها تجلس أمام الكاميرا تدعو الله وتبسمل وتحوقل وهي عارية القدمين واضحة الأصابع، وهو ما يتناقض تماما مع وقار الحجاب ومتطلباته.
أما الثاني فهو ما روي عن ممثلة عربية اكتشفت الإسلام مؤخرا فارتدت الحجاب، صرحت بأنها سترقص بحجابها إذا خسرت الجزائر في مونديال جنوب إفريقيا، أي أن هذه المسلمة المحجبة سوف تفرح إذا هُزم بلد عربي مُسلم أمام بلد آخر لعله كان من بين من أذاقوا المسلمين سوء العذاب.
وبالنسبة للفنانات المحجبات لا أملك إلا أن أسجل احترامي لسيدة مثل شادية التزمت بحجابها، لكنني لا أستطيع أن أقول نفس الشيء عن أخريات يزايدن بالحجاب أو يستعملنه بما يتناقض مع متطلباته، ومنهن من قامت بدور ابنة الشيخ الشعراوي أو بدور زوج نور الشريف في مسلسلات مصرية، فنراها مرتدية الحجاب في بيتها وفي الخلوة مع أبيها أو زوجها، في حين أن الحجاب يُقصد به، إذا كان لوجه الله، الغرباء من الذكور.
لكن يبقى أيضا أن أقول بأن بعض وزرائنا يفتحون علينا أبواب الجحيم بتصريحات متسرعة، ومن بينها ما نسب لوزير الداخلية الجزائري، وهو صديق عزيز ورجل فاضل، عن متطلبات صُور جواز السفر، حيث رفض اللحية بالنسبة للرجل والحجاب بالنسبة للمرأة، ولست أدري ما إذا كان وزير الداخلية الهندي يفرض ذلك على أبناء طائفة السيخ، الذين لا يتخلون عن اللحية والعمامة، علما بأن في قسمات الوجه ما يجعل الجانب السفلي عديم الأهمية في التعرف على صاحب الصورة.
وينطبق هذا على وجه المرأة من منبت الشعر إلى الذقن، وربما كان الذكاء أن يُطرح الأمر على صورة جدل (polémique) شبه ساخر يتساءل عما إذا كانت الأذنان جزءا من الوجه أو بعضا من القفا، ويستنتج أن إظهار الأذنين لا يخل بالحجاب.
ولم أكن أريد لوزيرنا أن يدّعي بأنه اتخذ القرار حماية لمواطنينا خلال سفرهم عبر الحدود الدولية، لأن واجب الدولة هو حماية أبنائها ورعايتهم في إطار القانون الدولي العام وليس طبقا لنزوات دول معينة، مواقفها ضد الإسلام والمسلمين سافرة غير محجبة. ومرة أخرى، هل تجرؤ دولة أوروبية على إيقاف سيخي يتمسك بلحيته وعمامته.
كاتب جزائري ووزير سابق
mohieddine2004@yahoo.fr
مثل شعبي يُجسد وضعية تناقض غريبة، يقول: كُلْ ما يُعجبك والبسْ ما يعجب الناس، في حين أن ما يعجبك من المأكولات قد لا يناسب الصحة، وخصوصا في عُمْر معين، وأن يُلبس ما يعجب الناس قد لا يهم إلا من يـبحث عن الإعجاب، وفي غير هذا فكل حرٌّ فيما يلبسه أو لا يرتديه.
والجزء الثاني هو ما يعنيني اليوم، فأنا أرفض المزايدة الدينية التي تتهم كلا منا ضمنيا بأنه متناقض مع الدين رافض لأحكامه لمجرد أنه لا يقبل تفسيرات معينة، هي جزء من تداعيات فتاوى خرج بها علينا «ميكانيكيو» الفتاوى الجدد، وكان منها ما سمعناه عندما تواترت الأخبار عن مغتصبات مسلمات في البوسنة، حرّمت الإجهاض بالنسبة لحرائر ترك مجرمو الصرب في أحشائهن جرائمهم الدنسة، وقلت يومها بأنه كان على «الميكانيكي» دعوة شباب المسلمين إلى الزواج من المغتصبات، سترا لهن وكسبا لمولود سيكون مسلما بالضرورة.
وقلت لو أن المفتي ووجه بوضعية مماثلة لإحدى قريباته لأرسلها إلى بلد غربي لإجراء الإجهاض أيا كانت مدة الحمل، وهو قمة النفاق الذي يرفضه دين حنيف ندد بالمنافقين أضعاف تنديده بالكفار.
وكنت يومها تساءلت كيف يعرف رجل إفتاء ضرير بأن سروال «الجينز» يبرز المفاتن، إلا إذا كان رأى ذلك بيديه.
وأنا لست ضد أن ترتدي المرأة، أو لا ترتدي، ما تريد، لكنني أرفض النفاق، ولا أغمض عيني وأحبس لساني في فمي تجاه ممارسات أرى فيها خطرا على المجتمع، وسواء تعلق الأمر بملابس خليعة تكشف أكثر مما تخفي وتستنفر غرائز شبابنا بما يمكن أن يلقي بهم في براثن ممارسات جنسية منحرفة أو خاطئة، أو كان ذلك خيمة سوداء تحجب كل شيء تلتف حوله وتخفي هويته، فلا تعرف إن كان رجلا أو مومسا أو حمقاء أفهمَها من يزيد عليها حمقا بأن هذه إرادة رب العباد.
وبغض النظر عن أن دعاوى الإرهاب الغربية هي دعاوى مشبوهة فإنني أتفهم جيدا رفض كل الدول المتحضرة للنقاب، ولمجرد أن الإسلام لا يرى في وجه المرأة ويديها عورة، بل إنه يمنع تغطية الوجه حيث يختلط الرجال والنساء في أداء شعائر الحج.
ويأتي هنا أمر آخر يتعلق بالحجاب، وهو من حق أي امرأة مسلمة ترتديه بإرادتها الواعية وبعيدا عن إذعان لزوج أحمق أو مجتمع جاهل، لأنه لا يعني إطلاقا عملية الاستعراض الذي يدفع نحوها باعة الحجاب، ويُحوّل بعض النسوة إلى كرنفال متحرك يستعمل ألوانا مثيرة تتكامل مع ماكياج للوجه يفتقد كل وقار واتزان، ويتنازع الأحمر فيه الوردي، والأزرق السماوي ألوان الموف (mauve) ثم يفرض علينا ذلك وإلا أخرجنا من ملة الإسلام.
وسنجد من المثير أن تلبس المحجبة حذاء عالي الكعب يجعل أجزاء جسمها تتراقص مع كل خطوة، وهو ما يشكل إثارة جنسية تتجاوز ما يحدثه العري نفسه، والذي خلدته لوحات فنية مشهورة لا يشعر المرء أمامها بغير الإعجاب بروعة الرسم ودقة الأداء وانسجام الألوان.
ويأتي هنا أمران، لاحظت أولهما في برنامج ديني تقدمه منافقة محجبة في مقتبل العمر عبر فضائية عربية، فهي لا تكتفي بأن تتقدم للجمهور بما يجعل منها أقرب إلى المانيكان التي تسوق لأزياء معينة، لكنها تجلس أمام الكاميرا تدعو الله وتبسمل وتحوقل وهي عارية القدمين واضحة الأصابع، وهو ما يتناقض تماما مع وقار الحجاب ومتطلباته.
أما الثاني فهو ما روي عن ممثلة عربية اكتشفت الإسلام مؤخرا فارتدت الحجاب، صرحت بأنها سترقص بحجابها إذا خسرت الجزائر في مونديال جنوب إفريقيا، أي أن هذه المسلمة المحجبة سوف تفرح إذا هُزم بلد عربي مُسلم أمام بلد آخر لعله كان من بين من أذاقوا المسلمين سوء العذاب.
وبالنسبة للفنانات المحجبات لا أملك إلا أن أسجل احترامي لسيدة مثل شادية التزمت بحجابها، لكنني لا أستطيع أن أقول نفس الشيء عن أخريات يزايدن بالحجاب أو يستعملنه بما يتناقض مع متطلباته، ومنهن من قامت بدور ابنة الشيخ الشعراوي أو بدور زوج نور الشريف في مسلسلات مصرية، فنراها مرتدية الحجاب في بيتها وفي الخلوة مع أبيها أو زوجها، في حين أن الحجاب يُقصد به، إذا كان لوجه الله، الغرباء من الذكور.
لكن يبقى أيضا أن أقول بأن بعض وزرائنا يفتحون علينا أبواب الجحيم بتصريحات متسرعة، ومن بينها ما نسب لوزير الداخلية الجزائري، وهو صديق عزيز ورجل فاضل، عن متطلبات صُور جواز السفر، حيث رفض اللحية بالنسبة للرجل والحجاب بالنسبة للمرأة، ولست أدري ما إذا كان وزير الداخلية الهندي يفرض ذلك على أبناء طائفة السيخ، الذين لا يتخلون عن اللحية والعمامة، علما بأن في قسمات الوجه ما يجعل الجانب السفلي عديم الأهمية في التعرف على صاحب الصورة.
وينطبق هذا على وجه المرأة من منبت الشعر إلى الذقن، وربما كان الذكاء أن يُطرح الأمر على صورة جدل (polémique) شبه ساخر يتساءل عما إذا كانت الأذنان جزءا من الوجه أو بعضا من القفا، ويستنتج أن إظهار الأذنين لا يخل بالحجاب.
ولم أكن أريد لوزيرنا أن يدّعي بأنه اتخذ القرار حماية لمواطنينا خلال سفرهم عبر الحدود الدولية، لأن واجب الدولة هو حماية أبنائها ورعايتهم في إطار القانون الدولي العام وليس طبقا لنزوات دول معينة، مواقفها ضد الإسلام والمسلمين سافرة غير محجبة. ومرة أخرى، هل تجرؤ دولة أوروبية على إيقاف سيخي يتمسك بلحيته وعمامته.
كاتب جزائري ووزير سابق
mohieddine2004@yahoo.fr
التعليق
نشر المقال في جريدة الصباح التونسية
و أعيد نشره لأنه يحمل أفكارا كثيرا ما قلتها و لكني أحارب بشدة حين افعل ذلك
بالطبع لأني أنثى
و لأن الدكتور عميمور له وزنه كوزير سابق وجدت التعليقات على المقال لطيفة و جميلة و هادئة و مشجعة و خالية من اي شتائم كثيرا ما تلقيتها لكلام مشابه...
و لأني أعتبر نفسي تلميذة للدكتور عميمور و كنت من ضمن الجامعيين الذين تأثروا بأفكاره أحب أن يقرأه قرائي ايضا و يكتشفوا جانبا من جوانب شخصيتي الخفية...
و أعيد نشره لأنه يحمل أفكارا كثيرا ما قلتها و لكني أحارب بشدة حين افعل ذلك
بالطبع لأني أنثى
و لأن الدكتور عميمور له وزنه كوزير سابق وجدت التعليقات على المقال لطيفة و جميلة و هادئة و مشجعة و خالية من اي شتائم كثيرا ما تلقيتها لكلام مشابه...
و لأني أعتبر نفسي تلميذة للدكتور عميمور و كنت من ضمن الجامعيين الذين تأثروا بأفكاره أحب أن يقرأه قرائي ايضا و يكتشفوا جانبا من جوانب شخصيتي الخفية...