كتب ساطع نور الدين تحت عنوان "حـوار الأحذيـة" :
مر الخبر مرور الكرام في الاعلام العربي خاصة، لانه بالفعل لم يكن خبرا مثيرا، يستحق الاهتمام، اوحى للوهلة الاولى بان شخصا ما ، او بالتحديد صحافيا آخر، يستخدم حذاءه فقط من اجل ان ينتزع المكانة التي حازها الزميل منتظر الزيدي عندما ضرب الرئيس الاميركي السابق جورج بوش، ودخل التاريخ.
لكن الهدف كان هذه المرة الزيدي نفسه الذي كاد يتحول الى بطل وطني عراقي، بل الى بطل قومي. وكان الحذاء عراقيا ايضا يخص الصحافي المثير للجدل والشك سيف الخياط، الذي انتهز فرصة مؤتمر صحافي كان يعقده منتظر في باريس لشرح موقفه وعرض نشاطاته الخاصة بمساعدة ضحايا الاحتلال الاميركي لبلاده.
عندها خرج الحذاء الجديد عن مساره العفوي وشق طريقه نحو كتابة فصل بائس من التاريخ العراقي، يبدأ من الافتراض ان الاشقاء العراقيين باتوا يتحاورون في ما بينهم بالاحذية، بدلا من الرشاشات والمتفجرات والسيوف والخناجر، وهو ارتقاء في الحوار السياسي العراقي، وينتهي بالاشتباه في ان ضارب الحذاء الجديد ينتمي الى الاجهزة الاميركية التي تريد الانتقام من الزيدي لاهانته الرئيس الاميركي السابق، وهذا ايضا افتئات على الاميركيين الذين يمكنهم بسهولة ان يختاروا اشكالا اخرى للثأر وتحطيم صورة ذلك الرمز الجديد للوطنية العراقية.
لكن التدقيق في تفاصيل ذلك الحدث الذي شهدته العاصمة الفرنسية قبل ثلاثة ايام، يدفع الى عدم الاستخفاف بما قام به الصحافي الكردي سيف الخياط، الذي طرد من اكثر من مؤسسة اعلامية عراقية لسوء سلوكه الشخصي وموقفه السياسي، الذي يتميز بدفاعه المستميت عن المحتل الاميركي، واهانته جميع المراجع الدينية والقيادات السياسية العراقية التي تطالب اليوم بخروج الاميركيين من العراق... وهو ما لا يبدو انه حالة فردية بل ظاهرة عامة تعبر جميع الاعراق والمذاهب، تشعر بخوف جدي من اليوم التالي لانسحاب آخر جندي اميركي من العراق.
السيرة الشخصية لسيف الخياط لا تكفي وحدها للحكم بانه تافه او اخرق او حتى مشبوه، والدليل ذلك الردح الدائر بين العراقيين انفسهم حول ما فعله في باريس، والذي لامس مختلف الحساسيات العراقية، العرقية والمذهبية، واعاد نبش ملفات قديمة تكاد توحي بان الغالبية العراقية ليست فخورة او راضية عما قام به الزيدي نفسه، والذي كان صداه الخارجي اكبر بكثير من صداه داخل العراق نفسه.. والذي كاد الاميركيون انفسهم يعتبرونه جزاء عادلا لرئيسهم السابق.
ما قام به سيف الخياط مشين، ليس لانه يعبر عن موقف مستغرب، بل اساسا لانه اطلق ذلك النقاش الداخلي الذي كان كامنا في النفوس العراقية، حول عصبياتهم التي استنفرت تجربة الاحتلال الاميركي جميع اشكالها عدا العصبية الوطنية، التي حركت الزيدي، لكنها كشفت في الوقت نفسه انها كانت لحظة انفعال عابرة لم تساهم الا في تعميق تلك الهوة العراقية السحيقة، التي تحتوي على مختلف انواع الاحذية.
ما انتجه الاحتلال الاميركي والعنف الطائفي في العراق ربما اخطر وأسوأ بكثير مما فعله سيف الخياط.
السفير