سرديات عودة
فصل من رواية "تنزروفت" للروائي الجزائري عبد القادر ضيف الله (الخميس 18 ك1 2014)
التعليق
أفتح غرف قلبي وأشرّع نوافذها و أبدأ في نزع ستائرها و احدة تلو الأخرى قبل أن أقلعَ كما المحرك القديم في الدوران على أصابع احتراقي مصدرا أصواتا كما أزيز البوح ، تحرقني في الجوف كلما انتهت . فاتحاً لأجلك جرحاً بحجم المدينة وأنا أعرف أن المدن ما عادت لها جاذبية النساء. وما عادت تفتح لنا بواباتها في مساءات فجائعنا . لم يكن أمامي سوى البوح لكِ سيدتي حتى لا أتفجر على قارعة ساحة الشهداء كما تفجر سعيد المجنون حينما تمكن منه سحر الغانية التي أرادت تملكه بعقاقير أم ﭭرين وهي تأخذ بثأر أنوثتها المجروحة من خيانة طّالب بابا حيدة . تُشربه خلطة أعشابها البرية وتبصر في عينيه عيْني زوجها الخائن . ترق له قطران عفن خيانته لها مع ابنتها البكر أمام أهل قصر تسابيت حينما كان بابا حيدة طَالب على القصر وكانت أم ڤرين أرملة تأتيه عند كل غروب شمس ليسبّبَ لابنتها التي شغفته حبا و التي رغم جمالها إلا أن رجال القصر كانوا يتجنبونها خوفا من أذية أمها التي كانت تحترف السحر والكهانة. يقال أنها حَرشّتْ على زوجها الأول جنا من جْنُونْ تنزروفت الذين يخدمونها فقتلوه في طريق عودته من بلاد سوادين . لكنها رغم كل ذلك لم تستطع حل التْثّقَافْ الذي كانت عَمِلَتهُ هي بنفسها في طبق سعف جديد مرقم بزخارف جميلة نسجته بأصابع عشقها الأول. كانت خدمته من سعف النخيل. يقال أن النخلة التي أخذت منها أم ڤرين السعف كانت لامرأة اسمها البتول بنت المالح التي خطفها جن الرمل في ليلة مرّوحْهَا حينما أقروا المبيت في صحراء تنزروفت ،و في ذاك المكان نبتت أطول نخلة في توات . و كان الطالب بابا حيدة هو الطالب القادر على حل كل السّحور و كل التّثْقَاف. أغمس الطالب بابا حيدة كتانة بيضاء في طاس ماء بارد سبع مرات متمتما بأدعية مبهمة ،وراح يمسح جبهة زهرة بنت أم ڤرين ، و يمسح في كل مرة بحواقه على العَرق الذي بدأ ينز من رقبته المحفورة بالتجاعيد وهو يختلس النظر لنهديها الصغيرتين اللتين بدتا كحبتي تفاح في بداية الاخضرار. و حينما أدار رأسه وجد أم ڤرين تحدق فيه . وحتى لا تفاجئه بشيء خطف منها الكلام قائلا دون أن يحيد بصره عن نهدي زهرة المسكونة بصمت صحراء تنزروفت “اسمعي يا أم ڤرين أنت علة ابنتك في ما اقترفت بحق روح البتول بنت المالح .حينما ضَفِرت من شعرها طبقا لتحميها من غواية طمث الإنس و الجان ،كنت تشقين روح ملك جنون تنزروفت ، في كل ترﭭيمة كنت تزينين بها ذاك الطبق كنت تعقدين عقدة نار في صدر ملك الجان، و لأن النخلة التي تعديتي على حرمتها لم تكن سوى البتول الروحانية التي خصها الملك بعشق روحاني أفقده العرش . لهذا عليك أن تتطهري من كل رجس بعد اليوم، وتغتسلي بماء فقارة امتزج ماؤها بدم شريف من شرفة يهود الهبلة و تبدئي بالغسل الأكبر تحت نخلة البتول في ليلة يكتمل فيها البدر ،وتتركِ حرفة السحر والكهانة وتعلني الشهادتين في حضرة طالب القصر. و إذا أردت ابنتك الزهرة أن تتخلص من تثقافّ الجن، لازم لبنتك طالب مُحرم يقرى عليها القرآن في سبع ليالي متابعة في خلوة طاهرة لم يدخلها غير ولي . وحتى يسهل عليك الأمر راني مزكي نفسي باش تكوني زوجتي على سنة الله ورسوله . ” نظرت أم ڤرين لسقف المسجد العتيق الذي تشلخ قرنافه وقالت بعد أن أطرقت ” يا سيدي الطالب بابا حيدة زوجتكَ نفسي أمام الله ورسوله وأعلن بين يديك اليوم توبتي على السحر وكل أعمال الشيطان . من أجل كبدتي الزهرة نعمل كل ما تطلبه مني يا سيدي بابا حيدة ، المهم الزهرة ينفتح في وجهها باب السعد وتعيش مثلها مثل كل بنات القصر . تتزوج ودير الدار يا سيدي” . أغمض الطالب بابا حيدة عينيه على شهوة الزهراء وتزوج أم ڤرين. وفي ليلة من الليالي السبعة لم يستطع الطالب مقاومة فتنة الصبية الزهرة التي كان يختلي بها وهي لابسة لخفيف ، يغمض عينيه ويعض على الشفى السفلى ويقرى عليها القرآن متوجعا، ومن حين لآخر يمرر يده على سرتها صاعدا ممسدا حتى واد النهدين. وهنا ينفلت رسن مقاومته ويزيد في حدة قراءته وتنفلت من الزهرة حبال الصمت فتدخل في هز يبدأ لها كما ارتداد زلزال مفاجىء. تغمض عينيها وتصرخ موحوحة حتى تسمعها كائنات العالم الآخر . تتفطن لحظتها أم ڤرين للأصوات التي تخرج من مقصورة الطالب بابا حيدة ، أصوات الرغبة والتوحويح .تقترب أكثر واضعة أذنها على فتحة الباب بعدما تعذر عليها أن ترى شيئا وسط ظلام الخلوة التي كان ينيرها الطالب بابا حيدة بفتيل قنديل ضعيف الوهج. ازداد صوت تَحَرّقْ الزهرة وبدأت تشهق واختلط صراخ وجعها مع لذة جسد حيدة الذي راح يدعك لها نهديها بأصابعه ويمرر لسانه في رقبتها وبعدها استل قلمه و أغمسه في دواية السمق وراح يخطط على أيره خطوط وطلاسم مقلوبة وبعدها قال وهو يرمي عباءة وقاره خلفه ” هذا هو الحجاب يا زهرة الروح ، خليه يعبر في مجرى روحك واستلذي حرقتي بإذن خالق الماء في صلب بني آدم . أنا أنتِ كما الماء والنار في هذه الليلة تنحل العقدة وتفتح الساقية يالبتول.”لحظتها دخلت أم ڤرين ومن عرقها الأزرق ينضح الدم محتقنا لم تفتح عينها إلا وهي تهجم على الطالب بابا حيدة غارسة أظافرها كرمح في عروق رقبته بعد أن أغمدت موس بوسبعة في عين الظهر. مرة ،اثنتان، ثلاثة كما ضربة فأس تأوه الطالب بابا حيدة حتى خرجت روحه ليسقط منكفئا على وجهه بين نهدي زهرة وعيناه مفتوحتان وعلى فمه ابتسامة اللذة والزهرة من لذة حيدة جنت وراحت تصرخ صراخ بين الوحوحة والنواح. أم ڤرين ندبت وجهها وحلت شعرها الذي سقط كبّة كبّة على ركبتيها ثم خرجت في باحة القصر وهي تصرخ وتعفر وجهها بالرمل والرماد الذي خلفه احتراق كبدها من خيانة طالب القصر مع ابنتها الوحيدة. من يومها أقسمت أم ڤرين وهي تعيش مابين الجنون والصحو، في الليل تبيت مع الأموات تطوف طواف رمل بنت المالح وفي النهار تعود للقصر لتعلن أنها ستنتقم من كل الرجال لأنهم أصل الخيانة . لهذا فَقَدت تلك المرأة العاشقة “سعيد” للأبد بسحر أم ڤرين وأنا أكاد أفقدِك بلا سحر.
التعليق