ماذا فعل بي جورج قرداحي؟            من هي سيمون دي بوفوار؟؟؟؟            إمتنان قصيدة للشاعرة العراقية فيء ناصر             حياة محمد أركون بقلم إبنته سيلفي             مقولة اليوم لسيمون دي بوفوار : المرأة لا تولد إمرأة و إنّما تصبح كذلك       يمكننا شحن اللوحات أيضا إليكم : آخر لوحة وضعت على الموقع لوحة الرسامة اللبنانية سليمى زود             يقدم الموقع خدمات إعلامية منوعة : 0096171594738            نعتذر لبعض مراسلينا عن عدم نشر موادهم سريعا لكثرة المواد التي تصلنا، قريبا ستجد كل النصوص مكانا لها ..دمتم       نبحث عن مخرج و كاميرامان و مختص في المونتاج لإنجاز تحقيق تلفزيوني             فرجينيا وولف ترحب بكم...تغطية فيء ناصر من لندن             boutique famoh : أجمل اللوحات لرسامين من الجزائر و كل العالم             لوحات لتشكيليين جزائريين             المثقف العربي يعتبر الكاتبة الأنثى مادة دسمة للتحرش...موضوع يجب أن نتحدث فيه            famoh : men and women without Borders       famoh : femmes et hommes, sans frontieres       ***أطفئ سيجارتك و أنت تتجول في هذا الموقع            دليل فامو دليل المثقف للأماكن التي تناسب ميوله...مكتبات، ، قهاوي، مطاعم، مسارح...إلخ...إلخ           
سرديات عودة
فصل من رواية " مقبرة براغ" لأمبيرتو إيكو ترجمة خضير اللامي  (الخميس 3 نيسان 2014)

                  

                       

18، 19/ نيسان 1897،عند هذه النقطة ، أن مَن يطل مِن فوق كتف سيمونيني ليقرأ ما قد كتبه دالا بيكولا سيرى الكلمات تتعثر على نحو مفاجيء ، كما لو أن يده لم تعد قادرة على الإمساك بالقلم ، تجري تلقائيا ساحبة خربشتها لتواصل الكتابة بهذه الطريقة على الورقة ، مؤشرة ترتيب نسق العلامات ساحبة النسيج الأخضر لمنضدة الكتابة نحو الأسفل، كما لون أن جسم الكاتب شرع ينهار بإزاء الأرض ، وعلى الصفحة الأخرى من الورقة يبدو أن الكابتن سيمونيني إستأنف الكتابة .

إستيقظ  وارتدى زي كاهن ، لبس على رأسه باروكة دالا بيكولا ، بيد أنه أدرك الآن ، عبر ظلال من الشك، أنه كان سيمونيني . هناك ، فرش على المنضدة مجموعة أوراق، وسرعان ما رأى آخر تلك الصفحات بخط يد دالا بيكولا المُفترض ، كُتبت بطريقة هستيرية وبخط يد مضطربة على نحو متزايد . تعرَّق ، همَّ قلبه بالخفقان ، حين كان يقرأ واستحضر كل ما قد كَتِب في تلك اللحظة حين توقفت يد آبي عن الكتابة وهو (ال آبي ) أو بالأحرى هو ( سيمونيني ) كانا - كَّلّا ، كان - مصعوقا بالذعر ، وتهاوى .

بينما كان يستعيد وعيه ، كانت غيوم الإضطراب تنقشع تدريجيا وأصبح كل شيء أمامه واضحا . تعافى ، وأدرك أنه و دالا بيكولا هما شخصا واحدا فلقتا ثمرة واحدة . كان قادرا الآن أن يتذكر ماذا كتب دالا بيكولا  في المساء الماضي - بعبارة أخرى ، أنه تذكر جيدا أنه هو ذاته ، مرتديا زي آبي دالا بيكولا ( وليس ذلك الشخص ذاالأسنان الناتئة الذي قُتل ، ولكن ذلك الآخر الذي أعيد إلى الحياة وتشخصن بشخصية أخرى لعدة سنوات )  كان حاضرا خلل التجرية الرهيبة للقداس الأسود .

ماالذي حدث إذن ؟ ربما كان لدى ديانا متسع من الوقت لتنتزع باروكته خلل المشاجرة ، وربما  كان ينزع عباءته ليسحب بها جثتها الهزيلة ، ويرميها في شبكة تصريف المياه وعاد مرة أخرى إلى غرفته في شارع ميتري -البيرت، وربما فقد عقله في ذلك الوقت تقريبا، وحين استعاد يقظته في صباح اليوم الثاني والعشرين من شهر آذار ، لم يجد ملابسه .

يُعد الإتصال الجسدي مع ديانا ، والكشف عن أصولها الحقيرة وضرورة هذه الأصول لها، وطقوس الموت في الغالب يُعد شيئا كثيرا تعلقا به ، وفي تلك الليلة ذاتها التي فقد ذاكرته ، أوبالأصح ، أن دالا بيكولا وسيمونيني قد فقد كلاهما ذاكرته ، وتبادلت تينك الشخصيتين بعضهما بعضا على مدار ذلك الشهر . في كل الاحتمالات ، وكما حدث لديانا ، فإنه لابد وأن كان يتحول من حالة إلى حالة أخرى خلال تشكل المعضلة - حالة صرع ، إغماء ، مَن يعرف - ولكن دون أن يكون مدركا لها ، وهكذا فإنه في كل مرة يستيقظ فيها يفكر أنه قد نام نوما عميقا .

وأدى علاج الدكتور فرويد مفعوله ( رغم إن الدكتور لن يعرف بنجاح الدواء ) . وبواسطة سرد ذاتٍ في تلك المذكرات إلى ذات أخرى التي استخرجها بصعوبة شاقة من تجاويف عقله ، وكما لو أنه في حلم ، وصل سيمونيني إلى النقطة الحرجة ، والصادمة ، أدت به إلى حالة من فقدان الذاكرة ،   amnesia، حولته إلى شخصين متمايزين ، كلاهما يتذكر جزءً من ماضي حياة الآخر، دون أن يعرف هو أو الآخر ، ومّن كان تأريخه هو فإنه ليس تاريخ الآخر ، والعكس صحيح ، ومَن هو الذي سيكون قادرا على أن يعيدهما معا إلى أنا واحدة ، ورغم ذلك ، كلاهما يحاول أن يختفي عن الآخر المزعج ، إلغاء الآخر شيء لا يمكن تصديقه .

وعملية التذكر هذه إستنفدت كل مشاعر سيمونيني ، ومِن الطبيعي ، أن يطمئن نفسه أنه كان حقا بُعث إلى حياة جديدة ، أغلق دفتر يومياته وقرر الخروج ، متهيئا لأي مواجهة ، عارفا الآن أنه كان هو . كان مستعدا لتناول وجبة طعام جيدة ، ولكن لن يسمح لنفسه التساهل في الإفراط في الطعام ذلك اليوم ، ورأى أن مشاعره كانت موجعة جدا . كناسك من ثيباد ، يشعر أنه بحاجة إلى توبة .  تناول طعامه بعدم شهية ، ولكنه تحمله على مضض . بعد أن دفع ثلاثة عشر سوساً ( السوس أصغير عملة فرنسية قديمة .. المترجم ) ذهب إلى فليكوتو .

عاد إلى البيت ، قلَّب أوراقه عدة مرات بالتفصيل وجعل يرتبها , ليس لديه سببا للإستمرار في اليوميات - ولكنه بدأ بها كي يستحضر ماذا يمكن أن يتذكره الآن - بيد أن كتابة اليوميات أصبحت عادة لديه . في غضون شهر واحد حسب، صدَّق ، بوجود شخص يدعى دالا بيكولا ، إخترع  شخصا وهميا يستطيع مِن خلاله التحدث معه ، بعد أن أدرك أنه بقي دائما وحيدا لمدة طويلة ، حتى في طفولته ، ربما ( سيندهش السارد ) لفصام شخصيته لذلك السبب الوجيه - خلق إنسانا يتحادث معه .

حان الوقت ليقبل أن الآخرغير موجود . فضلا عن ذلك أن اليوميات ، هي تسلية منفردة . على كل حال ، قد أصبح معتادا على الصوت المنفرد وقررالإستمرار فيه  . ليس ذلك الشعور بحب ذاته حسب ، بل عدم حبه للآخرين ساقه أن يعمل ما في وسعه لخلق صديقه الخاص .

وخلق دالا بيكولا -  دالا بيكولا إياه بعد أن قتل دالا بيكولا الحقيقي - حين طلب منه لانغرانغيه أن يتعامل مع بولان . فكر بمهمات كثيرة مثل مهمة كاهن التي تثير قليلا من الشك مما لو كان رجلا علمانيا . وحبذ فكرة نشور شخص ما كان قد قتله .

حين اشترى أول مرة البيت والمحل التجاري في شارع موبيرت غيرالسالك ، بسعر منخفض جدا ، لم يكن بحاجة إلى غرفة مدخلها يفضي إلى شارع ميتري - البيرت ، مفضلا تثبيت عنوانه على شارع موبيرت غيرالسالك، وبذلك يستطيع أن يستخدم المحل . وحالما ظهر دالا بيكولا في المشهد ، أثث الغرفة بأثاث رخيصة واستخدمها كوهم لعنوان آبي الوهمي .

كان دالا بيكولا مفيدا ليس في التطفل على عبادة الشيطان والحلقات الغامضة حسب، ولكن أيضا على مظاهرالساعات الأخيرة للإحتضار . حينما اُستدْعي من قبل أحد الأقرباء المقربين ( أو البعيدين ) سيكون المستفيد من الوصية التي زيفها سيمونيني - وإذا كان ثمة أحد يثير غبارا من الشك في وثيقة غير متوقعة ، سيكون الشاهد رجل الدين الذي أقسم أن الوصية ثبت وتؤكد الرغبات الأخيرة المعبرة عن الرجل المتوفى . ومن ثم ، فإن التعامل مع قضية تاكسيل ، كان دالا بيكولا رجلا ضروريا له. إنه هو الذي تعامل عمليا مع المخطط الكامل لأكثر من عشر سنوات .

واثبت تنكر سيمونيني فائدته حد ، إرتدى زي دالا بيكولا ، واستطاع بسهولة من الإلتقاء بالأب بيرغاماشي وهيبوتيرن . كان دالا بيكولا غير ملتحٍ ، أشقر اللون ، وذا أهداب كثة ، يرتدي نظارة زرقاء مظللة تخفي نظراته . وكما لو أن هذا ليس كافيا ،  فابتكر إسلوبا آخرلخط اليد ، كان في الغالب خطا ناعما وإنثويا ، وغيَّر من نبرات صوته . في الواقع ، حين كان دالا بيكولا ، لم يكتب سيمونيني أو يتحدث بطريقتين مغايرتين حسب ، ولكنه وجد نفسه تماما في خضم ذلك الدور .

كان من العار ، أن يختفي بعد ذلك دالا بيكولا ( قَدَرَ آبي لذلك الإسم ) ، ولكن على سيمونيني أن يغسل يديه من المهمة برمتها، وليس حذف يوميات تلك الحوادث المخجلة التي أدت إلى الصدمة حسب ، ولكن في عيد فصح الإثنين أيضا، وطبقا للخطة ، كان على تاكسيل أن يعلن إعترافه أمام الناس ، و بموت ديانا ، من الأفضل أن يزيح كل شواهد المؤامرة في حالة  شروع شخص ما بإثارة أسئلة صعبة .

بقي في يوم ذلك الأحد حسب ثم غادره في صباح اليوم الذي تلاه . وتنكر بزي دالا بيكولا وذهب لمقابلة تاكسيل ، الذي كان يزور مدينة أوتيويل في كل ثلاثة أيام في غضون الشهر الماضي ولم يجد ديانا أو نفسه ، لكنه وجد إمراة عجوزا حسب ، أخبرته أنها لا تعرف أي شيء وتخشى أنهما إختطفهما الماسونيون . وشرح لتاكسيل أن دو موريه قد أعطاه مؤخرا العنوان الصحيح لعائلة ديانا في شارلستون ، ووجد طريقة لإعادتها إلى أمريكا - تماما في الوقت الذي كان يهيء فيه تاكسيل عرضا عاما عن احتيالاته . أعطى تاكسيل خمسة آلاف فرنك كمقدمة لمبلغ الخمسة والسبعين فرنكا الذي وعده به ورتب المقابلة في مساء اليوم التالي في الجمعية الجغرافية .

ما زال مرتديا زي دالا بيكولا ، ذهب إلى أوتيويل . وقد رحبت به المرأة العجوز ترحيبا كبيرا . كانت قد افتقدته وديانا لأكثر من شهر وما عرفت ماذا تقول للمسكين مسيو تاكسيل في زياراته المتكررة . وأخبرهاالقصة عينها : أن ديانا قد عادت إلى أمريكا والتحقت بعائلتها . كانت المكافأة السخية أخرست العجوز الشمطاء ، جمعت خرقها البالية وغادرت في ذلك المساء .

في ذلك المساء أيضا ، أحرق سيمونيني كل أوراقه ، والآثار الأخرى لمهمتهم خلال تلك السنوات ، وفي آخر تلك الليلة أخذ خزانة ملابس ديانا ومحتوياتها الأخرى هدية إلى غافيالي - ولم يسأل ذلك الرجل بائع الملابس العتيقة أبدا عن البضائع التي عانى مِن بيعها . في صباح اليوم التالي ذهب إلى المالك لإلغاء عقد الإيجار ، متحججا أن لديه مهمة عاجلة في إحدى الدول البعيدة ، ودفع مبلغا إضافيا لمدة ستة أشهر كإجراء وقائي لأي اعتراض من قبل المالك . وذهب الأخير معه ليرى أن كل شيء في الشقة على ما يرام ، تسلم المفاتيح وأغلق الباب .

كل ما تبقى له هو ، أن يستأصل دللا بيكولا ( للمرة الثانية ) . ولا يستغرق منه هذا وقتا طويلا ، وأزال سيمونيني علامات انتحال شخصية آبي وأعاد تعليق عباءته إلى الرواق ، وبذلك ، إختفى دالا بيكولا من على وجه الأرض . وكإحتراز، أزاح كرسي المركع ( كرسي ذو ذراعين يوضع على أحدهما كتاب .. المترجم ) والكتب الدينية من الشقة ، ووضعها في محله كمواد لبيعها إلى هواة جمع الكتب ، ليكون بعدها مستعدا لإنتحال شخصية أخرى .

لم يكن أي أثر لكل ماحدث ، ما خلا ما تحتويه يوميات تاكسيل وبايتايلي . بيد أن الأخير ، بعد خيانته ، فإنه من المؤكد لم يظهر على سطح المشهد مرة أخرى ، وتعلقا بتاكسيل فإنه من المؤمل أن تنتهي قصته في ذلك المساء أيضا .

في مساء التاسع عشر من نيسان / أبريل ، إرتدى سيمونيني ملابسه الفاخرة الإعتيادية ، ذهب  ليستمتع بمشهد تراجع تاكسيل . بإستثناء دللا بيكولا ، عرف تاكسيل ماتري فورنير حسب ، وهو كاتب عدل وهمي ، غيرملتحٍ ، شعره كستنائيا ، ركَّب سنَّيْن من ذهب . وقد رأى تاكسيل سيمونيني ملتحيا مرة واحدة حسب ، حينما كان يستخدمه لتزييف رسائل هوغو وبلان ، ولكن كان هذا قبل خمس عشرة سنة وربما قد نسي وجه ذلك الناسخ لتلك الرسائل . ولتغطية كل الإحتمالات ، إلتحى سيمونيني بلحية رمادية وارتدى نظارات خضر ، جعلت منه شبيها بعضو في الجمعية الجغرافية   ، وهكذا استطاع الجلوس مع الجمهور ليستمتع بالتسلية .

ظهرت أخبار الحادثة في جميع الصحف . كانت القاعة محتشدة ؛ جاء بعض الناس بدافع الفضول ، وآخرون أتباع ديانا فوغان ، وماسونيون ، وصحافيون ، وعدد من ممثلي رئيس الأساقفة وسفراء بابويون . 

تحدث تاكسيل بوابل من لغة جنوبية نموذجية بليغة . مما أدهش الحضور ، الذي كان هناك لمشاهدة ديانا والإستماع إلى كل ما قد نشره تاكسيل في غضون خمس عشرة سنة ، بدا كلامه بمهاجمة الصحافيين الكاثوليك وقدم جوهر بوحه بقوله ، " إنه من الأفضل لكم أن تضحكوا بدلا من أن تبكوا ، كما تقول حكمة الإمم ." وقد وصف متعته في الإحتيال: " لم تكن ولادتي في مرسيليا عبثا ،" وسخر، من استمتاع الجمهور . وسرد بسرورغامر قصة أسماك القرش في مارسيليا والمدينة المغمورة في بحيرة جنيف  Lake Geneva، ليقنع الجمهور أنه كان محتالا، لا أحد يوازيه في المزاح العظيم في حياته ، وعلى كل حال ، سرد قصة حديثه الواضحة وكيف أنه ضلل كهنة الإعتراف والمرشدين الروحيين المعينين لضمان إخلاص توبته .

كان مستهل افتتاح خطبته قاطعها الجمهور أولا بالضحك وبعد ذلك بالغضب المتفجر من عديد من الكهنة  . وقف الناس وهمَوا بمغادرة القاعة ، وأخرون لازموا مقاعدهم لمهاجمته . وبإختصار ، ساد الإضطراب الكبير، لكن مازال صوت تاكسيل يعلو مسموعا ، ما لبث يصف كيف أنه قرر مهاجمة الماسونيين كي يبعث الإرتياح في قلب الكنيسة بعد سفرين التكوين Humanum Genes   " ولكن في نهاية المطاف " قال " وحتى الماسونيين يجب أن يكونوا شاكرين إياي، لأن كتبي التي تضمنت طقوسهم تتضمن بعض التأثير على قرارهم في قمع ممارسات قد عفى عليها الزمن ، وتحولت إلى سخافة  لكل ماسوني كان صديقا للإرتقاء البشري ، وتعلقا بالكاثوليك ، إكتشفتُ في أيام مبكرة عند تحولي أن كثيرا منهم كانوا مقتنعين أن المُخطِّط العظيم للكون - الكائن السامي للماسونية - هو الشيطان . لذلك ، كل ما وجب عليَّ القيام به هو أن أزوِّق إدانته .

واستمر الهياج . حين حول تاكسيل حديثه إلى ليو الثالث عشر ( وسألني البابا ، " ياولدي ، ماذا ترغب ؟" أجاب تاكسيل ، " أيها الأب المقدس ، أن أموت تحت قدميك ، في هذه اللحظة ، وسيكون هذا من بالغ غبطتي !" ، وتحول الصراخ إلى مجموعة من المنشدين . صرخ أحدهم ، " يعيش ليو الثالث عشر . ليس لك الحق في أن تلفظ اسمه !" وصاح آخر ، " هل ينبغي علينا أن نصغى إلى هذا الكلام ؟ أنه لشيء مقزز !" وصاح آخر أيضا " آه، أيها الوغد ! أية طقوس معربدة في الفساد !" وراح عواء الضحك يتعالى بإستمرار .

قال تاكسيل ، " وهكذا ، سمحت بشجرة اللوسيفيرية ( لوسفيري إسم للشيطان .. المترجم ) الحديثة بالنمو ، مُدخِلا فيها الطقوس البالادية ، مفبركا إياها كليَّة من البداية حتى النهاية . "

ومن ثم وصف كيف أن صديقا كحوليا قديما إخترع شخصية الدكتور باتايلي ، وكيف أنه ابتدع صوفيا فالدر ، أو صوفيا صافو ، وكيف أنه نفسه قد كتب كل الأعمال التي ألفتها ديانا فوغان . قال ، كانت ديانا إمرأة بروستانتية عادية ، ونسخة نموذجية ، وممثلة لصناعة آلات الطابعة الأمريكية ، ألمعيّة ، إمرأة حيوية في بساطة أناقتها ، كما هن النساء البروستانتيات عموما , وشرع يشاركها في عبادة الشيطنة ؛ كانت تستمتع بتلك المشاركة وأصبحت شريكة في أعماله الإجرامية . وراحت سخافاته تروق لها ، وكتبت إلى الأساقفة والكرادلة ، وتسلمت رسائل من السكرتارية الخاصة للحبر الأعظم ، تعلم فيها الفاتيكان عن المؤامرات اللوسيفيرية .

إستمر تاكسيل " ولكن ، رأينا حتى الماسونيين تسقطهم ذرائعنا . حين أظهرت ديانا أن القائد السامي لشارلستون قد عين أدريانو ليمي خلفا له للوسيفيرية الحبر الأعظم ، وأخذ بعض الماسونيين الإيطاليين ، بما فيهم نواب برلمانيون ، الأخبار بجدية , وقد انزعجوا لأن ليمي لم يعلمهم ، وأسسوا ثلاثة مجالس بالادينية سامية مستقلة ، في صقليا ، ونابولي ، وفلورنسا ، سميت بإسم الآنسة ديانا فوغان بوصفها عضو شرف . وكتب المسيو مارغيوتا سيء السمعة أنه سبق له وأن قابل الأنسة ديانا فوغان ، بينما أنا الذي كنت تحدثت إليه عن مقابلة لم تتحقق أبدا ، حتى أنه تظاهر أنه تذكرها فعلا . وكان الناشرون أنفسهم قد خُدِعوا ، بيد أنهم لم َيشْكوا في الأمر ، لأنني أعطيتهم ثروة لنشرأعمال يمكن أن تنافس ألف ليلة وليلة ، The Thousand and One Nightا.

وأردف " أيها السادة ، حينما تفهمون تكونون قد وصلتم مرحلة الجنون ، وأفضل شيء تقومون به هو أن تضحكوا مع الجمهور . " أضاف وهو يؤشر إلى أحد نقاده الشرسين في القاعة "وأنت ، يا مسيو غارنر ، أصبحت الأكثر غضبا من غيرك ، والأكثر سخافة بينهم ."

صرخ غارنر ، وهو يؤشر بعصاه ، بينما حاول أصدقاءه تهدئته " أيها الوغد ."

قال تاكسيل وعلى وجهه إرتسمت ابتسامة " مرة أخرى ، لا نستطيع أن ننتقد أولئك الذين يؤمنون بالشياطين الذين ظهروا في مراسيم تلقيننا . وهل أن المسيحيين الطيبين لا يؤمنون أن الشيطان أخذ المسيح اليسوع إلى جبل ، ليريه كل ممالك الأرض ؟ ولكن كيف يريه ذلك الشيطان كل تلك الممالك إذا كانت الأرض تحيط بنا في كل مكان ؟"

وصاح قليلا " هذا صحيح !"

وصرخ الآخرون " لسنا بحاجة إلى التجديف ."

وكان تاكسيل على وشك أن يختتم كلامه " أيها السادة ، أنني أعترف ، أنني كنت اقترف وأد الأطفال . والبلادمية هي الآن مائتة  - أماتها أبوها "

ووصل الصخب أوْجه . وقف آبي غارنر على مقعد وحاول أن يخاطب الجمهور ، بيد أن صوته ضاع وسط ضجيج ضحك أولئك الغاضبين وصراخهم . بقي تاكسيل على المنصة حيث كان يخطب ، مراقبا بإعتداد نفس زئير الحشد . كانت لحظة مجده . إذا كان يريد أن يكون ملك المحتالين ،و قد أنجز هدفه .

حدق دون أن يتزحزح قيد أنملة من مكانه إلى أولئك المحتجين أمامه وهم يؤشرون بقبضات أياديهم أو بعصيِّهم ويهتفون " يا للعار " بقي يحدق فيهم على نحو لم يفهم في الغالب . ما الذي فعله حتى يستحق العار ؟ والحقيقة أن الجميع كان يتحدث عنه ؟

كان سيمونيني يمتع نفسه أكثر من الجميع بينما كان يفكر ماالذي كان بإنتظاره في مستودع في الأيام القوادم .

كان يبحث عن دالا بيكولا من أجل ماله ، ولكن لا يعرف أين يجده . فإن كان قد ذهب إلى أوتيويل ، فإنه سيجد البيت شاغرا ، أو ربما شغله أحد ما في الوقت الحاضر . ولم يعرف أي شيء عن عنوان دالا بيكولا في شارع ميتري - البيرت غير السالك . كما لا يعرف كيف يتصل بكاتب العدل فورنير ، ولا يعتقد أنه يرتبط بذلك الشخص الذي كان ولسنوات طويلة ، يزيف رسائل هوغو . أما بولان فمن المستحيل أن يجده . كما ليس لديه أدنى فكرة عن هيبوتيرن ، الذي عرف بطريقة غامضة أنه من كبار الماسونية ، ولا ما يفعله يتعامل مع هذه الأحداث ، لكنه كان يجهل تماما وجود الأب بيرغاماشي . بإختصار، أن تاكسيل لا يعرف مَنْ يسأل عن نقوده ، لذلك فإن سيمونيني ربما وضع كل المبلغ في جيبه ( على الأقل ، لسوء الحظ ، الخمسة ألاف فرنك كمقدمة ) بدلا من النصف تماما.

إنه من الممتع التفكير بالوغد الذي يتجول في باريس للبحث عن آبي وكاتب العدل اللذين تواريا عن الأنظار ، وتعلقا بالشيطاني والبلاديني اللذين اختفت جثمانيهما في شبكة مجاري المياه المنسية ، فإن بيتايلي ، حتى وإن كان صاحٍ من كحوله ، فليس لديه ما يخبره به ، وما يتعلق بمبلغ الفرنكات أنه ذهب إلى الجيب الخطأ . يشتمه الكاثوليكيون ، وينظر إليه الماسونيون بريبة ، الذين كانوا من حقهم أن يخشوا من تحول آخر ، وربما كان مثقلا بالديون إلى ناشري كتبه ، لا يعرف إلى أي وجهة يستدير .

ولكن ، فكر سيمونيني ،  مشعوذ مارسيليا يستحق ذلك .
نقلا عن موقع " النور" 



التعليق بقلم فضيلة الفاروق