سرديات عودة
فصل من رواية : العشيقة لزهرة الأوركيد (الأحد 19 ك2 2014)
امرأة من خلف ستار اللاحب بين رجل و امرأة اختيرت له كزوجة من الحمامات الشعبية و في المقابر و الأعراس و خلف ستار اللاحوار و الاختلاف في كل شيء ، في الاحلام ، في التفكير ، في المستوى الدراسي ، في الجنون ، في الطموح ، في الماضي و حتى في الآتي ، امرأة خلف ستار الهوس بامرأة اخرى لن يتزوجها لكنه يثبت فحولته بها و قوته و ذكورته المتمردة على كل شيء
– ربما تكون العشيقة امرأة أحبت في الوقت غير المناسب فسقطت و لم تعد تقوى على الوقوف مرة أخرى و ربما هي امرأة بلا قيم لكنها ابدا ليست امرأة بلا مشاعر حتى لو كانت مشاعر الحقد و الاستهتار ….
– ناديا أحبت سي ناصر … أحبته كثيرا ، أحبته بطريقة مؤلمة … ضحت … تعبت … سافرت ، عادت ، تزوجت و ترملت و لكنه ظل فيها … روح الروح و قلب يسكن جسدا حتى الممات … و عمر أفنته في عشق يرفضه المجتمع … ترفضه الزوجة و ترفضه العشيقة نفسها لكنها سقطت …
– لا أحد يبرر لامرأة تدخل حياة رجل متزوج من نافذة غير مغلقة نسيتها الزوجة ربما أو أرادها هو ليتنفس منها حين يتكدس الهواء في كيس نتن من روتين حياته …. العشيقة امرأة يكرهها النور و يحبها الظلام …
– ربما لا يكون من اللائق أن نضع جميع الناس في سلة ورد واحدة أو في كيس قمامة واحد ، أو ربما ليس علينا ان نضع احدا في أي مكان ، فمن منا يدري ما يخيط له الآتي بعد أن كان سلطانا في الماضي ، من من نساء الدنيا جازمة بأنها بعد اليوم لن تكون عشيقة رجل ما؟ و من من الرجال متأكد بأنه لن يخون ؟
– ناديا مرت من بين سطور كثيرة في رواية مؤلمة كتبت عن حب في وقت غير مناسب و لرجل غير مناسب …. أحبته بكل الطرق وبكل قوة ، أحبته بهدوء و بصراخ و بفرح و ببكاء ، أحبته حين كان قريبا و أحبته حين ابتعد ، أحبته حين مزقها و حين لملمها و حين ألقى بها إلى الشارع
– أن تقع امرأة في حب رجل متزوج و في مجتمع يرفض فكرة العشيقة أمر يقتلها و يقتله إن أحبها كما احب سي ناصر ناديا لكنه لم يستطع ان يحارب من أجلها و لم تستطع أن تفرض نفسها في ضوء نهاره
– كان قاسيا جدا عليها أن تنظر في عيني زوجته و تخبرها بأنها المرأة التي يحب ، و بأنها تسكنه روحا و جسدا … ماذا كانت ستقول لها لو ردت الزوجة بأنه إن كان الأمر كذلك لكان اختارها و تراه لماذا لم يفعل ؟ و لأنها كانت تعرف الجواب مسبقا لم ترد أن تجرح نفسها فوق جرحها مرة أخرى ، لم ترد أن تدخل في صراعات أكبر منها و فضلت الاستسلام لقدر مليء بالحزن و أن تكتفي بمكان له بجواره و لكن حين يغلق الباب خلفهما و يطفئ كل الأضواء
– باريس كانت عاصمة يهربان اليها كلما أراد أن يكون معها أما سريرها فكان ملجأها حين تريد ان تكون بجواره و لا يكون بيده خيار إلا أن يخرجها من حياتها حتى يمضي بعض الوقت مع الحرم المصون
– مرت ذكريات كثيرة على ناديا و الساعة قاربت الخامسة مساء ، الطائرة على وشك الإقلاع و عليها الآن أن تختار الركوب و بدء حياة جديدة أو أن تقرر الهروب الى ماضيها … ربما هذه المرة سيكون الموت سلاح سي ناصر كي يواجه حبه لها و حبها له و يختارها لتكمل بعض حياتها المتبقية معه
– في غمرة تفكيرها به أمسكها ماسي من يدها و كأنه يسحب كيسا مليئا بالتراب ، بدت له منهكة و مترددة ، فهو في قرارة نفسه لم يجهل حبها لسي ناصر و هي لم تكذب أبدا ،أخبرته منذ البداية بأنها قد لا تتمكن من حبه يوما بنفس الجنون و بنفس القدر من الشغف الذي يعتريها بمجرد التفكير فيه ، لن تحبه بنفس تلك القوة و لن تفعل من أجله ما فعلت من أجل سي ناصر مع أن ماسينيسا اختارها زوجة و سي ناصر أرادها دوما عشيقة.
– ألقت نظرة أخيرة على مطار العاصمة البيضاء ، و التفتت نحو البوابة ، الشرطي يقف هناك مادا يده ليتسلم منها تذكرة السفر أما هي فكانت تتذكر ….. أول مرة جاءت فيها الى العاصمة ، أول مرة أدهشها بياض المدينة التي تنام باكرا، فعلى العكس من كل عواصم العالم ، الجزائر تحبذ اتخاذ الليل لباسا لكثير من الصمت و كثيرا من القصص التي لم تكتب لكنها موجودة ….
– ألقت نظرة أخيرة إلى كل التفاصيل التي امامها ، إلى المقهى، إلى الجرائد و المجلات ، إلى القهوة و الشاي و الحلويات و الكراسي ، نظرت الى الأطفال ، الى النساء و الى الرجال .. حتى التعابير التي كانت ترتسم على وجوههم ركزت فيها وكأنها تريد أن تودع تعابيرا عربية و أمازيغية متمردة لن تراها بنفس الأسلوب و بنفس الصورة في بلاد أخرى ستكون أشبه للملجأ منه الى الوطن.
– تحاول ناديا أن تزيح عنها جراحا كثيرة و تسقطها من آخر قطعة من ثوبها ما تزال متمسكة به تحاول شدها اليها كي تبقى و تتألم أكثر … تحاول الهروب من نفسها و منه كي لا تستسلم حين تنظر في عينيه ،فكم كفاها من السنين نظرة واحدة لتقول نعم و لتسقط بين ذراعيه سقوط المنهزم امام منتصر قوي ثم يدوسها حتى تكاد روحها تتمزق فيها و هي تنتفض شغفا و جنونا و تقول أحبني أكثر
– و مع أنه كان يجعل منها خياره الثاني إلا أنها كانت تضعه دائما فوق الإختيار ، كان من الصعب عليها أن تتركه و ترحل لتبحث عن جنون آخر يسكنها … و كلما قررت الرحيل عاد ليدخل حياتها من نافذة أخرى تركتها مفتوحة بشغف أو بغير قصد
– ناديا تودع إمبراطورية الوهم التي بناها على حبها له و تسلق سلالم العشق الذي ظلت تمنحه له كل يوم كانت تقضيه برفقته ، إنها مثل المخدر الذي يمنحه جناحين يطير بهما نحو سماء بعيدة جدا عن واقعه الذي يشعره أحيانا بالخزي فكلما نظر الى نفسه في المرآة كان يمقتها حين يرى صورة رجل يستغل مال زوجته لينفقه على عشيقة أحبها في السر أكثر منها …. لكن سقوطه من تلك السماء أشد وجعا من كل شيء فهو اذ يستفيق من مخدره لا يرى أمامه سوى ذاك الرجل الوضيع الذي يتألم كلما احب عشيقته أكثر ….
– ستترك ها هنا مشاعر امرأة تحب لترحل و بيديها مشاعر امرأة قررت أن تدخل سجنا بنته لنفسها ، ستضع في حقيبة يدها الحمراء الكثير من الصبر لتأخذه في رحلة طويلة تقتلها معاناة صامتة تلبس ثوب ابتسامة هادئة تلقي بها الى رجل ينظر اليها كلما استفاق بجوارها صباحا ليقول لها أحبك جدا فترد له و أنا ايضا دون ان تقول “احبك ” فالحب تركته ايضا على تلك الطاولة التي ارتشفت عليها فنجان القهوة بالمطار ثم قامت لتتركه يبرد هناك وحده ، ثم يلقي به العامل الى سلة القمامة ، ارادت ان ترمي ببقايا حبيبها كي تبدأ من جديد مع أنه عليها هذه المرة احتراف التمثيل الى الأبد … عليها ان تنظر في وجه رجل لا تكن له شيئا ثم تقول له انت كل شيء .. عليها ان تتذكر عيد مولده و تختار له العطر الذي يحب و تكوي قميصه المفضل و تحضر له أكلته التي يحبها منذ كان طفلا صغيرا ، عليها ان تكون له و أن تكذب كلما سألها “أتحبينني؟” فترد “نعم” …. فقط “نعم” …..
نشر النص أول مرة في موقع أبوليوس و هو موقع جميل و ثري لعشاق الأدب
http://leromandz.com/?p=4495
التعليق
امرأة من خلف ستار اللاحب بين رجل و امرأة اختيرت له كزوجة من الحمامات الشعبية و في المقابر و الأعراس و خلف ستار اللاحوار و الاختلاف في كل شيء ، في الاحلام ، في التفكير ، في المستوى الدراسي ، في الجنون ، في الطموح ، في الماضي و حتى في الآتي ، امرأة خلف ستار الهوس بامرأة اخرى لن يتزوجها لكنه يثبت فحولته بها و قوته و ذكورته المتمردة على كل شيء
– ربما تكون العشيقة امرأة أحبت في الوقت غير المناسب فسقطت و لم تعد تقوى على الوقوف مرة أخرى و ربما هي امرأة بلا قيم لكنها ابدا ليست امرأة بلا مشاعر حتى لو كانت مشاعر الحقد و الاستهتار ….
– ناديا أحبت سي ناصر … أحبته كثيرا ، أحبته بطريقة مؤلمة … ضحت … تعبت … سافرت ، عادت ، تزوجت و ترملت و لكنه ظل فيها … روح الروح و قلب يسكن جسدا حتى الممات … و عمر أفنته في عشق يرفضه المجتمع … ترفضه الزوجة و ترفضه العشيقة نفسها لكنها سقطت …
– لا أحد يبرر لامرأة تدخل حياة رجل متزوج من نافذة غير مغلقة نسيتها الزوجة ربما أو أرادها هو ليتنفس منها حين يتكدس الهواء في كيس نتن من روتين حياته …. العشيقة امرأة يكرهها النور و يحبها الظلام …
– ربما لا يكون من اللائق أن نضع جميع الناس في سلة ورد واحدة أو في كيس قمامة واحد ، أو ربما ليس علينا ان نضع احدا في أي مكان ، فمن منا يدري ما يخيط له الآتي بعد أن كان سلطانا في الماضي ، من من نساء الدنيا جازمة بأنها بعد اليوم لن تكون عشيقة رجل ما؟ و من من الرجال متأكد بأنه لن يخون ؟
– ناديا مرت من بين سطور كثيرة في رواية مؤلمة كتبت عن حب في وقت غير مناسب و لرجل غير مناسب …. أحبته بكل الطرق وبكل قوة ، أحبته بهدوء و بصراخ و بفرح و ببكاء ، أحبته حين كان قريبا و أحبته حين ابتعد ، أحبته حين مزقها و حين لملمها و حين ألقى بها إلى الشارع
– أن تقع امرأة في حب رجل متزوج و في مجتمع يرفض فكرة العشيقة أمر يقتلها و يقتله إن أحبها كما احب سي ناصر ناديا لكنه لم يستطع ان يحارب من أجلها و لم تستطع أن تفرض نفسها في ضوء نهاره
– كان قاسيا جدا عليها أن تنظر في عيني زوجته و تخبرها بأنها المرأة التي يحب ، و بأنها تسكنه روحا و جسدا … ماذا كانت ستقول لها لو ردت الزوجة بأنه إن كان الأمر كذلك لكان اختارها و تراه لماذا لم يفعل ؟ و لأنها كانت تعرف الجواب مسبقا لم ترد أن تجرح نفسها فوق جرحها مرة أخرى ، لم ترد أن تدخل في صراعات أكبر منها و فضلت الاستسلام لقدر مليء بالحزن و أن تكتفي بمكان له بجواره و لكن حين يغلق الباب خلفهما و يطفئ كل الأضواء
– باريس كانت عاصمة يهربان اليها كلما أراد أن يكون معها أما سريرها فكان ملجأها حين تريد ان تكون بجواره و لا يكون بيده خيار إلا أن يخرجها من حياتها حتى يمضي بعض الوقت مع الحرم المصون
– مرت ذكريات كثيرة على ناديا و الساعة قاربت الخامسة مساء ، الطائرة على وشك الإقلاع و عليها الآن أن تختار الركوب و بدء حياة جديدة أو أن تقرر الهروب الى ماضيها … ربما هذه المرة سيكون الموت سلاح سي ناصر كي يواجه حبه لها و حبها له و يختارها لتكمل بعض حياتها المتبقية معه
– في غمرة تفكيرها به أمسكها ماسي من يدها و كأنه يسحب كيسا مليئا بالتراب ، بدت له منهكة و مترددة ، فهو في قرارة نفسه لم يجهل حبها لسي ناصر و هي لم تكذب أبدا ،أخبرته منذ البداية بأنها قد لا تتمكن من حبه يوما بنفس الجنون و بنفس القدر من الشغف الذي يعتريها بمجرد التفكير فيه ، لن تحبه بنفس تلك القوة و لن تفعل من أجله ما فعلت من أجل سي ناصر مع أن ماسينيسا اختارها زوجة و سي ناصر أرادها دوما عشيقة.
– ألقت نظرة أخيرة على مطار العاصمة البيضاء ، و التفتت نحو البوابة ، الشرطي يقف هناك مادا يده ليتسلم منها تذكرة السفر أما هي فكانت تتذكر ….. أول مرة جاءت فيها الى العاصمة ، أول مرة أدهشها بياض المدينة التي تنام باكرا، فعلى العكس من كل عواصم العالم ، الجزائر تحبذ اتخاذ الليل لباسا لكثير من الصمت و كثيرا من القصص التي لم تكتب لكنها موجودة ….
– ألقت نظرة أخيرة إلى كل التفاصيل التي امامها ، إلى المقهى، إلى الجرائد و المجلات ، إلى القهوة و الشاي و الحلويات و الكراسي ، نظرت الى الأطفال ، الى النساء و الى الرجال .. حتى التعابير التي كانت ترتسم على وجوههم ركزت فيها وكأنها تريد أن تودع تعابيرا عربية و أمازيغية متمردة لن تراها بنفس الأسلوب و بنفس الصورة في بلاد أخرى ستكون أشبه للملجأ منه الى الوطن.
– تحاول ناديا أن تزيح عنها جراحا كثيرة و تسقطها من آخر قطعة من ثوبها ما تزال متمسكة به تحاول شدها اليها كي تبقى و تتألم أكثر … تحاول الهروب من نفسها و منه كي لا تستسلم حين تنظر في عينيه ،فكم كفاها من السنين نظرة واحدة لتقول نعم و لتسقط بين ذراعيه سقوط المنهزم امام منتصر قوي ثم يدوسها حتى تكاد روحها تتمزق فيها و هي تنتفض شغفا و جنونا و تقول أحبني أكثر
– و مع أنه كان يجعل منها خياره الثاني إلا أنها كانت تضعه دائما فوق الإختيار ، كان من الصعب عليها أن تتركه و ترحل لتبحث عن جنون آخر يسكنها … و كلما قررت الرحيل عاد ليدخل حياتها من نافذة أخرى تركتها مفتوحة بشغف أو بغير قصد
– ناديا تودع إمبراطورية الوهم التي بناها على حبها له و تسلق سلالم العشق الذي ظلت تمنحه له كل يوم كانت تقضيه برفقته ، إنها مثل المخدر الذي يمنحه جناحين يطير بهما نحو سماء بعيدة جدا عن واقعه الذي يشعره أحيانا بالخزي فكلما نظر الى نفسه في المرآة كان يمقتها حين يرى صورة رجل يستغل مال زوجته لينفقه على عشيقة أحبها في السر أكثر منها …. لكن سقوطه من تلك السماء أشد وجعا من كل شيء فهو اذ يستفيق من مخدره لا يرى أمامه سوى ذاك الرجل الوضيع الذي يتألم كلما احب عشيقته أكثر ….
– ستترك ها هنا مشاعر امرأة تحب لترحل و بيديها مشاعر امرأة قررت أن تدخل سجنا بنته لنفسها ، ستضع في حقيبة يدها الحمراء الكثير من الصبر لتأخذه في رحلة طويلة تقتلها معاناة صامتة تلبس ثوب ابتسامة هادئة تلقي بها الى رجل ينظر اليها كلما استفاق بجوارها صباحا ليقول لها أحبك جدا فترد له و أنا ايضا دون ان تقول “احبك ” فالحب تركته ايضا على تلك الطاولة التي ارتشفت عليها فنجان القهوة بالمطار ثم قامت لتتركه يبرد هناك وحده ، ثم يلقي به العامل الى سلة القمامة ، ارادت ان ترمي ببقايا حبيبها كي تبدأ من جديد مع أنه عليها هذه المرة احتراف التمثيل الى الأبد … عليها ان تنظر في وجه رجل لا تكن له شيئا ثم تقول له انت كل شيء .. عليها ان تتذكر عيد مولده و تختار له العطر الذي يحب و تكوي قميصه المفضل و تحضر له أكلته التي يحبها منذ كان طفلا صغيرا ، عليها ان تكون له و أن تكذب كلما سألها “أتحبينني؟” فترد “نعم” …. فقط “نعم” …..
نشر النص أول مرة في موقع أبوليوس و هو موقع جميل و ثري لعشاق الأدب
http://leromandz.com/?p=4495
التعليق