سرديات عودة
فصل من رواية (اليوم الثامن) للروائية صبرينة بن عزيزة (الخميس 5 أيلول 2013)
اليوم الثامن هو ذاك الذي تدرك فيه أن كل أيامك كانت يوما واحدا وتفهم أن المستحيل أبدا لم تحبل به الحياة بل كان مجرد كذبة … مجرد بدعة … مجرد خدعة
و ذريعة ..
========
التاسعة صباحا….
غيوم في السماء … وأخرى تلبد مزاجي …… مرارة في حلقي رغم أني لم أفطر بعد.
أين يمكنني أن أذهب في هذا البرد الذي اقتتل كل رغبة تجول أو تسوق ؟
ولجت أقرب مقهى صادفني في الطريق، يحدث أن نقوم بأشياء لا عن رغبة و إنما عن عادة أو لأننا تعاكسنا معها فقط، كأن نظهر الاهتمام بأخبار معارفنا عندما نلتقي بهم صدفة في الأسواق والطرقات فنطالبهم بمختصرات عن كل ما مر عليهم وهم واقفين على حافة الأيام وتصير ملامح الوجه تسايرنا في النفاق فتظهر الدهشة والأسف للمآسي وغبطة بلغت أطرافها ما لا نهاية للأفراح والأخبار السارة ثم نختم كل هذا بموعد لزيارة لن تأتي أبدا لا لشيء سوى أن ذلك اليوم لم يظهر في رزنامة العام بعد وقد لن يظهر مطلقا حتى يتصادف مع يوم الوفاة فنذهب جارين بعض الدموع ونرجع بأكثر من سؤال عن الميراث و الورثة …
في انتظار أن يأتيني النادل بقيت أتأمل من الزجاج الخريف الباريسي الكسول كطفل يغط لتوه في النوم ، ألقيت نظرة تجسس على هاتفي
اتصال من جازية ولم أنتبه ، لم تراها اتصلت في هذا الوقت!؟
لا اعتقد أنها سمعت بتكريمي واتصلت تهنئني ، ماذا تفهم مثيلاتها عن ألم وضع كتاب في بلد غير بلدك فيكون صرخة ذات جنسية مغايرة لجنسية الأفكار التي يحملها والأكثر إيلاما أن تبارك هذا الميلاد دولة غير تلك التي تكتب عنها ولها …
كأنه صار ضريبة المجد أن تهاجر أيها العربي ، لتصير فاعلا مادمت في وطنك دوما مفعولا به ، هل عليك أن تغترب لتحقق حلمك في أن تصير إنسانا بحلم وهدف مادمت في بلدك لا أكثر من مجرد رقم ضمن ملايين البشر….
وفي الأخير سيتقاسمك الوطنان فيأخذ وطنك اسمك ليمنحه لشارع أو حي بينما يكتفي الثاني بضمه إلى قائمة الغرباء الذين جاؤوا بلا مجد وصنعوا مجدا على أراضيه
وتبقى روحك مشردة بين هذا وذاك كما كانت دوما ، بل حتى جثمانك لن يرتاح ستبقى تتنازعه مقابر البلدين …
إلا إذا تركت وصية كوصية محمد ديب ألا تدفن في الوطن الذي ما كان ليقبلك إلا ميتا أو حيا بثوب الموت ..
ساعتها ستصير محل جدل بين من يعدك رمزا ومن يشكك في وطنيتك……
هل صرت مطالبة بالاستعمار من جديد أيتها الأوطان العربية لتتفنني في عشق الحرية ويهيم شعبك بصوت الحق أكثر من عشقه للخبز اليومي ؟
مثلما كان الجزائري يعشق إذاعة صوت الجزائر لما كانت صوت شعب ، صوت قضية ، صوت العدالة والاستقلال رغم يقينه أن كل لحظة استماع كان يمكنها أن ترسم نقطة نهايته جنب أكثر من علامة تعجب واستفهام .
إلى متى نهجر لنتكلم ، لنعبر ، لنجد من يسمع ؟
إلى متى ستبقى أوطاننا تنكر دقات الكعب العالي للحرية لما يطرق حقيقتها بل وتغطيه بالضوضاء والفوضى كي لا يسمع ؟
إلى متى …… ؟
إلى متى….. ؟
حتما اتصلت تشتكي لي من يوسف ، ظنت أنه انتشلها من حياتها مع زوج سكير متبرج الشهوات والنزوات جعل منها أضحوكة الأنوثة عن طوع منها هو في الحقيقة كره من الأهل الذين أوهموها أنه ليس لأحد التدخل مادام لم يتعرض لها بالطرد أو الطلاق حتى أن أمها كانت تواسيها لما تشتكي لها جلبه عشيقاته لبيت الزوجية المقدس بقول كلهم هكذا يا ابنتي ، أنت الأصل أما البقية نزوات لا أكثر ، أتريدين أن تصيري “هجالة”
وتضرب لها أمثلة عن نسوة صنعن فخر العائلة كلها لأنهن أنجبن رجالا ودامت زيجاتهن سنوات طويلة بفضل صبرهن على مغامرات أزواجهن الكثيرة
وكأن استنشاق أكاذيب الزوج وألاعيبه مادة من الميثاق الغليظ.!
عندما نهدم حياتنا و حياة من نحب من ﺃجل كلمة متجاهلين ﺃن الصورة هي التي تمثل الحقيقة لأنها سبقت الكلمة في الوجود يوم أمر الله تعالى آدم عليه السلام أن ينبئ الملائكة بأسماء أشياء بعد أن أراه إياها ، محاولين إرضاء أناس لسنا سوى مضافا إلى حياتهم ، غير واعيين أن الواقع لا تعبر عنه الحروف و الألفاظ فلا الحضارة الرومانية و لا العبقرية اليونانية أطلقتا على رغد عيشها ثقافة رغم أنها واقع و لم يعرف هذا اللفظ إلا بعد عصور .
إذا توحلنا في كل هذه الأخطاء فنحن نحيا بخطأ حتى و إن كنا لا نملك اسما لهذا الخطأ لكن أكيد سيكتشف له اسم فيما بعد………
لا شك أنها سلمت فيما بعد بصواب رأي أمها، كلهم ملال طليقها الذي كان رئيس دائرة معروف بحسه المرهف لدرجة أنه وهب إحداهن سكنا لظروفها العاطفية والجنسية التي يدركها جيدا وقد أثرت فيه كثيرا ..
ولكل ملال madame DALILA كتلك التي صارت في الفيلم الجزائري ” كرنفال في دشرة ” مالكة لأكثر من قطعة أرض حتى علق رئيس الدائرة: ” الجهة الظهرانية كلها أداتها madame “DALILA
فالثاني الذي هربت معه ليس سوى الحاكم بما يرضي الله صاحب اللحية الطويلة الذي لا يحفظ من القران سوى آيتي القوامة والتعدد تركها وحدها ليلة رأس السنة الميلادية وذهب يحتفل
سبحان الله ………!
فعلا هذه الحياة لا تستحق العناء و الوقت كفيل بقلب الأوضاع والتلاعب بموازين القوى ، ما عجزت فرنسا عن تحقيقه قرابة القرن و نصف القرن الذي تواجدته بالجزائر، تحقق وهي بعيدة ……!
لو تمهلت قليلا يا فرنسا ولو تمهل” ديبورمون” في اختلاق قصة المروحة تلك لرأيت اليوم أن منا من صار يرى فيك مدرسة للحياة والسلوك والحضارة بل وصرنا نحتفل بأعياد الميلاد ، نزين الأشجار و ننتظر “بابا نويل”……..!
ترى هذا البابا “نويل” يحقق الأماني المحلية أيضا أم أن الأحلام التي يحققها هي التي تستورد معه فقط ؟
ألم يكن منهم رجل رشيد يرجوه أن يحرر العراق و فلسطين ، يوجد حلا لقضية الصحراء الغربية ، يقضي على الحروب الأهلية في البلاد العربية الإسلامية ، يؤسس لنا اقتصادا ناجحا ما دمنا عجزنا نحن عن ذلك ، وأن يمنحنا عقولا سليمة قادرة على التفكير والتدبير قبل كل هذا؟!
هديتنا ثقيلة “بابا نويل” تحتاج أكثر من عيد لكن نحن بحاجة إلى الحلول السريعة حتى لا نسمع من جديد “روما ولا انتوما” “ياكلني الحوت وما ياكلونيش العرب” [1]
لذا ليتك تختصر لنا كل هذا في أعياد ترجع لنا فيها صلاح الدين الأيوبي، طارق بن زياد ، يوسف بن تاشفين ، الظاهر بيبرس ، ابن خلدون، زيغود يوسف ، مصطفى بن بولعيد ، مالك بن نبي…
في المقابل نعدك أننا لن نستبقيهم . لأننا لا نرضى لأسلافنا أن يعيشوا في ظل الإمبريالية والصهيونية فيصيروا عزيز القوم الذي ذل كما أننا نستحي من أن يروا نتائجنا المخزية فنكون الابن العاق الذي خالف أولياءه فقادهم إلى الهلاك ، بل نستحضرهم لنتعلم منهم فقط كيف نعشق الوطن و نخلص للدين.
وحدهم الضعفاء يلقون بفشلهم على غيرهم ، فلطالما صدقت أن ملال سحرته تلك التي كل ينال منها حسب حظه و ماله ، صاحبة الجسد العاهر والجمال الباهر التي انقضت أنوثتها تذوقات بين عشاقها ، امرأة اليانصيب التي تطعن رجولته حينما تقرها لغيره.
فأخذت هي تستبقيه بالإنجاب وقضاء يومها في الطبخ و التنظيف وابتكار ديكورا مغايرا كل مرة عساها تغري مشاعره بعد أن صار يستكثر عليها مجرد محاولة طرق باب قلبه.
لا أسهل من اختلاق الذرائع لكي لا تحاسب أنفسنا لما نكون المتهم الأول في ضياع حياتنا .
أحبها يا جازية برائحة السجائر في فمها، ببصمات غيره عليها، أحبها رغم ما كان……..
فما عاد يتساءل مع من كانت البارحة؟
نزيلة أي سرير كانت؟
أي “سي ” ضاجعت ؟
ما الذي حدث بينهما ؟
أو الأصح ما الذي لم يحدث ؟
فهي امرأة الأحداث و الحوادث، عشيقة الكبائر والأكابر.
كان يمكنه الحصول عليها متى أراد دام أنه لا يهمها رصيد الحب قدر ما يرضيها رصيد البنك لكن ما عادت تعنيه شهوة اللحظة بل وجد فيها حب الحياة.
ألا يكفي أنه اعترف بذلك أمام الجميع وأمام نفسه أولا حتى أنه فقد القدرة على المفاضلة بين أعضاء جسده فوقتما أمره قلبه بالارتماء بين أحضانها استنجد به أنفه لفكه من قبضة التراب إلا أنه صرح بذاك الاعتراف المتعارض مع مواقف الرجولة و كان أصعب من نطق الشهادة لحظة الموت المفاجئ فصرخ (أحبها ).
و حتما هي الآن تتذرع بأن الرجال فطروا على الخديعة وتبريرها بألف مذهب وشريعة
كم هم تعساء أولائك الذين يصدقون أكاذيبهم لأنهم يريدون عيش واقع لا يوجد سوى في أمانيهم
يتهمون القدر والفطرة والزمان وكل ما لا يمكنه الدفاع عن نفسه وكشف تشوهات شخصياتهم و عوار قراراتهم ليتهربوا من تأنيب الضمير !
كذاك الذي ينقص من شموع كعكة الميلاد فقط لأنها تذكره بسنوات ذهبت منه هدرا أو ذاك الذي يتحاشى المرايا لأنها تريه تجاعيد وجهه وﺇن حدث ووقعت عليها عيناه صدفة شكك في نظافتها بدل الاعتراف أن الزمن ترك بصماته عليه
ﺃلم تسمع و لا واحدة من هذه النسوة عساها تذكر الأخريات ﺃن الرسول صلى الله عليه و سلم كان يستشير أزواجه و ﺃخذ برأي أم سلمه يوم وصل مكة رفقة المسلمين و لم يتمكنوا من دخولها فرفض المسلمون الامتثال لأمره صلى الله عليه و سلم بالرجوع ؟
أو ليست البشرية جمعاء مدينة بالعيش فوق هذه الأرض ﻷمنا حواء لأنها أشارت على سيدنا ﺁدم بأكل التفاحة ، أم ﺃن المورثات هي التي خانتهن لا الذاكرة فلم يرثن من أمهن ملكة التأثير على رجل؟
يا لها من مفارقة…………!!
وراء كل رجل عظيم امرأة كأرورا، صبح البشكنشية التي أحبت محمد بن أبي عامر فأهدته مكانا في مجلدات التاريخ والمجد والحضارة
وراء كل مجنون امرأة كحيزية
كم ﺃحترمها امرأة السيراميك تلك!!
لا سياسية كانت و لا امرأة قانون لكن امرأة أحبها زوجها فحكاها التاريخ بليلي العامرية ، عزة و بثينة.
يا لها من عظمة ﺃن يخلدك الحب فتسمين على مثيلاتك من النساء لأنه الإبداع الذي لا إبداع بعده ، فالسياسة و القانون و الاختراع مهما يكن يتطور عبر الأزمان ، لكن وحده الحب هو الحب منذ الأزل .
خلود كهذا يتعثر به التاريخ فلولا ﺃن هام سعيد في صحراء الجزائر و دون الشاعر رابح بن قيطون مآسيه لما سمعنا عنك يا سيدتي و ما عرفنا ﺃن الجزائري الذي صار يتهم بتصحر المشاعر و تصخر القلب قال سنة 1887 عن بسكرية لا تجميل لها إلا الحناء و الضفائر :
تسوى خير النجوع والذهب المصنوع
تسوى نخل الدروع عند الشاوية
تسوى خير المزاب وسواحل الزاب
خاطي ناس الڤباب حاشى الاوليا تسوى خير السفيل نجمة عقب الليل اقليل اقليل في ختي طب دوايا
ڤلبي سافر مع الضامر حيزية
ووراء كل تعيس امرأة أيضا ، مثلك يا جازية رغم أنك أنجبت لكن ما بالأطفال نجتذب الرجال ﻷنهم ليسوا جمهور ألعاب سحرية نخدع أبصارهم بل كائنات تدوم طفولتها حتى القبر لذا يصعب عليها نسيان الكذب والخداع.
لكن لا تحزني لست وحدك من هذا النوع بل عليك ﺃن تفرحي لست أسوا من ماري أنطوانيت التي أتعست مملكة بأكملها ليس رجلا واحدا فحسب.
ألم تكوني تعلمي أن الحياة على قدر كبير من الأناقة تبتسم فقط و لا تضحك لأحد إلا إذا سخرت منه
وأنت سخرت منك يوم أهدتك حبا يتوسد التضحية وترقد الكرامة عند قدميه
[1] شعارات المهاجرين بطريقة غير شرعية (الحراقة)
=====
فصل من رواية (اليوم الثامن) للروائية /بن عزيزة صبرينة, الصادرة سنة 2011 عن دار الغرب وهران
التعليق
اليوم الثامن هو ذاك الذي تدرك فيه أن كل أيامك كانت يوما واحدا وتفهم أن المستحيل أبدا لم تحبل به الحياة بل كان مجرد كذبة … مجرد بدعة … مجرد خدعة
و ذريعة ..
========
التاسعة صباحا….
غيوم في السماء … وأخرى تلبد مزاجي …… مرارة في حلقي رغم أني لم أفطر بعد.
أين يمكنني أن أذهب في هذا البرد الذي اقتتل كل رغبة تجول أو تسوق ؟
ولجت أقرب مقهى صادفني في الطريق، يحدث أن نقوم بأشياء لا عن رغبة و إنما عن عادة أو لأننا تعاكسنا معها فقط، كأن نظهر الاهتمام بأخبار معارفنا عندما نلتقي بهم صدفة في الأسواق والطرقات فنطالبهم بمختصرات عن كل ما مر عليهم وهم واقفين على حافة الأيام وتصير ملامح الوجه تسايرنا في النفاق فتظهر الدهشة والأسف للمآسي وغبطة بلغت أطرافها ما لا نهاية للأفراح والأخبار السارة ثم نختم كل هذا بموعد لزيارة لن تأتي أبدا لا لشيء سوى أن ذلك اليوم لم يظهر في رزنامة العام بعد وقد لن يظهر مطلقا حتى يتصادف مع يوم الوفاة فنذهب جارين بعض الدموع ونرجع بأكثر من سؤال عن الميراث و الورثة …
في انتظار أن يأتيني النادل بقيت أتأمل من الزجاج الخريف الباريسي الكسول كطفل يغط لتوه في النوم ، ألقيت نظرة تجسس على هاتفي
اتصال من جازية ولم أنتبه ، لم تراها اتصلت في هذا الوقت!؟
لا اعتقد أنها سمعت بتكريمي واتصلت تهنئني ، ماذا تفهم مثيلاتها عن ألم وضع كتاب في بلد غير بلدك فيكون صرخة ذات جنسية مغايرة لجنسية الأفكار التي يحملها والأكثر إيلاما أن تبارك هذا الميلاد دولة غير تلك التي تكتب عنها ولها …
كأنه صار ضريبة المجد أن تهاجر أيها العربي ، لتصير فاعلا مادمت في وطنك دوما مفعولا به ، هل عليك أن تغترب لتحقق حلمك في أن تصير إنسانا بحلم وهدف مادمت في بلدك لا أكثر من مجرد رقم ضمن ملايين البشر….
وفي الأخير سيتقاسمك الوطنان فيأخذ وطنك اسمك ليمنحه لشارع أو حي بينما يكتفي الثاني بضمه إلى قائمة الغرباء الذين جاؤوا بلا مجد وصنعوا مجدا على أراضيه
وتبقى روحك مشردة بين هذا وذاك كما كانت دوما ، بل حتى جثمانك لن يرتاح ستبقى تتنازعه مقابر البلدين …
إلا إذا تركت وصية كوصية محمد ديب ألا تدفن في الوطن الذي ما كان ليقبلك إلا ميتا أو حيا بثوب الموت ..
ساعتها ستصير محل جدل بين من يعدك رمزا ومن يشكك في وطنيتك……
هل صرت مطالبة بالاستعمار من جديد أيتها الأوطان العربية لتتفنني في عشق الحرية ويهيم شعبك بصوت الحق أكثر من عشقه للخبز اليومي ؟
مثلما كان الجزائري يعشق إذاعة صوت الجزائر لما كانت صوت شعب ، صوت قضية ، صوت العدالة والاستقلال رغم يقينه أن كل لحظة استماع كان يمكنها أن ترسم نقطة نهايته جنب أكثر من علامة تعجب واستفهام .
إلى متى نهجر لنتكلم ، لنعبر ، لنجد من يسمع ؟
إلى متى ستبقى أوطاننا تنكر دقات الكعب العالي للحرية لما يطرق حقيقتها بل وتغطيه بالضوضاء والفوضى كي لا يسمع ؟
إلى متى …… ؟
إلى متى….. ؟
حتما اتصلت تشتكي لي من يوسف ، ظنت أنه انتشلها من حياتها مع زوج سكير متبرج الشهوات والنزوات جعل منها أضحوكة الأنوثة عن طوع منها هو في الحقيقة كره من الأهل الذين أوهموها أنه ليس لأحد التدخل مادام لم يتعرض لها بالطرد أو الطلاق حتى أن أمها كانت تواسيها لما تشتكي لها جلبه عشيقاته لبيت الزوجية المقدس بقول كلهم هكذا يا ابنتي ، أنت الأصل أما البقية نزوات لا أكثر ، أتريدين أن تصيري “هجالة”
وتضرب لها أمثلة عن نسوة صنعن فخر العائلة كلها لأنهن أنجبن رجالا ودامت زيجاتهن سنوات طويلة بفضل صبرهن على مغامرات أزواجهن الكثيرة
وكأن استنشاق أكاذيب الزوج وألاعيبه مادة من الميثاق الغليظ.!
عندما نهدم حياتنا و حياة من نحب من ﺃجل كلمة متجاهلين ﺃن الصورة هي التي تمثل الحقيقة لأنها سبقت الكلمة في الوجود يوم أمر الله تعالى آدم عليه السلام أن ينبئ الملائكة بأسماء أشياء بعد أن أراه إياها ، محاولين إرضاء أناس لسنا سوى مضافا إلى حياتهم ، غير واعيين أن الواقع لا تعبر عنه الحروف و الألفاظ فلا الحضارة الرومانية و لا العبقرية اليونانية أطلقتا على رغد عيشها ثقافة رغم أنها واقع و لم يعرف هذا اللفظ إلا بعد عصور .
إذا توحلنا في كل هذه الأخطاء فنحن نحيا بخطأ حتى و إن كنا لا نملك اسما لهذا الخطأ لكن أكيد سيكتشف له اسم فيما بعد………
لا شك أنها سلمت فيما بعد بصواب رأي أمها، كلهم ملال طليقها الذي كان رئيس دائرة معروف بحسه المرهف لدرجة أنه وهب إحداهن سكنا لظروفها العاطفية والجنسية التي يدركها جيدا وقد أثرت فيه كثيرا ..
ولكل ملال madame DALILA كتلك التي صارت في الفيلم الجزائري ” كرنفال في دشرة ” مالكة لأكثر من قطعة أرض حتى علق رئيس الدائرة: ” الجهة الظهرانية كلها أداتها madame “DALILA
فالثاني الذي هربت معه ليس سوى الحاكم بما يرضي الله صاحب اللحية الطويلة الذي لا يحفظ من القران سوى آيتي القوامة والتعدد تركها وحدها ليلة رأس السنة الميلادية وذهب يحتفل
سبحان الله ………!
فعلا هذه الحياة لا تستحق العناء و الوقت كفيل بقلب الأوضاع والتلاعب بموازين القوى ، ما عجزت فرنسا عن تحقيقه قرابة القرن و نصف القرن الذي تواجدته بالجزائر، تحقق وهي بعيدة ……!
لو تمهلت قليلا يا فرنسا ولو تمهل” ديبورمون” في اختلاق قصة المروحة تلك لرأيت اليوم أن منا من صار يرى فيك مدرسة للحياة والسلوك والحضارة بل وصرنا نحتفل بأعياد الميلاد ، نزين الأشجار و ننتظر “بابا نويل”……..!
ترى هذا البابا “نويل” يحقق الأماني المحلية أيضا أم أن الأحلام التي يحققها هي التي تستورد معه فقط ؟
ألم يكن منهم رجل رشيد يرجوه أن يحرر العراق و فلسطين ، يوجد حلا لقضية الصحراء الغربية ، يقضي على الحروب الأهلية في البلاد العربية الإسلامية ، يؤسس لنا اقتصادا ناجحا ما دمنا عجزنا نحن عن ذلك ، وأن يمنحنا عقولا سليمة قادرة على التفكير والتدبير قبل كل هذا؟!
هديتنا ثقيلة “بابا نويل” تحتاج أكثر من عيد لكن نحن بحاجة إلى الحلول السريعة حتى لا نسمع من جديد “روما ولا انتوما” “ياكلني الحوت وما ياكلونيش العرب” [1]
لذا ليتك تختصر لنا كل هذا في أعياد ترجع لنا فيها صلاح الدين الأيوبي، طارق بن زياد ، يوسف بن تاشفين ، الظاهر بيبرس ، ابن خلدون، زيغود يوسف ، مصطفى بن بولعيد ، مالك بن نبي…
في المقابل نعدك أننا لن نستبقيهم . لأننا لا نرضى لأسلافنا أن يعيشوا في ظل الإمبريالية والصهيونية فيصيروا عزيز القوم الذي ذل كما أننا نستحي من أن يروا نتائجنا المخزية فنكون الابن العاق الذي خالف أولياءه فقادهم إلى الهلاك ، بل نستحضرهم لنتعلم منهم فقط كيف نعشق الوطن و نخلص للدين.
وحدهم الضعفاء يلقون بفشلهم على غيرهم ، فلطالما صدقت أن ملال سحرته تلك التي كل ينال منها حسب حظه و ماله ، صاحبة الجسد العاهر والجمال الباهر التي انقضت أنوثتها تذوقات بين عشاقها ، امرأة اليانصيب التي تطعن رجولته حينما تقرها لغيره.
فأخذت هي تستبقيه بالإنجاب وقضاء يومها في الطبخ و التنظيف وابتكار ديكورا مغايرا كل مرة عساها تغري مشاعره بعد أن صار يستكثر عليها مجرد محاولة طرق باب قلبه.
لا أسهل من اختلاق الذرائع لكي لا تحاسب أنفسنا لما نكون المتهم الأول في ضياع حياتنا .
أحبها يا جازية برائحة السجائر في فمها، ببصمات غيره عليها، أحبها رغم ما كان……..
فما عاد يتساءل مع من كانت البارحة؟
نزيلة أي سرير كانت؟
أي “سي ” ضاجعت ؟
ما الذي حدث بينهما ؟
أو الأصح ما الذي لم يحدث ؟
فهي امرأة الأحداث و الحوادث، عشيقة الكبائر والأكابر.
كان يمكنه الحصول عليها متى أراد دام أنه لا يهمها رصيد الحب قدر ما يرضيها رصيد البنك لكن ما عادت تعنيه شهوة اللحظة بل وجد فيها حب الحياة.
ألا يكفي أنه اعترف بذلك أمام الجميع وأمام نفسه أولا حتى أنه فقد القدرة على المفاضلة بين أعضاء جسده فوقتما أمره قلبه بالارتماء بين أحضانها استنجد به أنفه لفكه من قبضة التراب إلا أنه صرح بذاك الاعتراف المتعارض مع مواقف الرجولة و كان أصعب من نطق الشهادة لحظة الموت المفاجئ فصرخ (أحبها ).
و حتما هي الآن تتذرع بأن الرجال فطروا على الخديعة وتبريرها بألف مذهب وشريعة
كم هم تعساء أولائك الذين يصدقون أكاذيبهم لأنهم يريدون عيش واقع لا يوجد سوى في أمانيهم
يتهمون القدر والفطرة والزمان وكل ما لا يمكنه الدفاع عن نفسه وكشف تشوهات شخصياتهم و عوار قراراتهم ليتهربوا من تأنيب الضمير !
كذاك الذي ينقص من شموع كعكة الميلاد فقط لأنها تذكره بسنوات ذهبت منه هدرا أو ذاك الذي يتحاشى المرايا لأنها تريه تجاعيد وجهه وﺇن حدث ووقعت عليها عيناه صدفة شكك في نظافتها بدل الاعتراف أن الزمن ترك بصماته عليه
ﺃلم تسمع و لا واحدة من هذه النسوة عساها تذكر الأخريات ﺃن الرسول صلى الله عليه و سلم كان يستشير أزواجه و ﺃخذ برأي أم سلمه يوم وصل مكة رفقة المسلمين و لم يتمكنوا من دخولها فرفض المسلمون الامتثال لأمره صلى الله عليه و سلم بالرجوع ؟
أو ليست البشرية جمعاء مدينة بالعيش فوق هذه الأرض ﻷمنا حواء لأنها أشارت على سيدنا ﺁدم بأكل التفاحة ، أم ﺃن المورثات هي التي خانتهن لا الذاكرة فلم يرثن من أمهن ملكة التأثير على رجل؟
يا لها من مفارقة…………!!
وراء كل رجل عظيم امرأة كأرورا، صبح البشكنشية التي أحبت محمد بن أبي عامر فأهدته مكانا في مجلدات التاريخ والمجد والحضارة
وراء كل مجنون امرأة كحيزية
كم ﺃحترمها امرأة السيراميك تلك!!
لا سياسية كانت و لا امرأة قانون لكن امرأة أحبها زوجها فحكاها التاريخ بليلي العامرية ، عزة و بثينة.
يا لها من عظمة ﺃن يخلدك الحب فتسمين على مثيلاتك من النساء لأنه الإبداع الذي لا إبداع بعده ، فالسياسة و القانون و الاختراع مهما يكن يتطور عبر الأزمان ، لكن وحده الحب هو الحب منذ الأزل .
خلود كهذا يتعثر به التاريخ فلولا ﺃن هام سعيد في صحراء الجزائر و دون الشاعر رابح بن قيطون مآسيه لما سمعنا عنك يا سيدتي و ما عرفنا ﺃن الجزائري الذي صار يتهم بتصحر المشاعر و تصخر القلب قال سنة 1887 عن بسكرية لا تجميل لها إلا الحناء و الضفائر :
تسوى خير النجوع والذهب المصنوع
تسوى نخل الدروع عند الشاوية
تسوى خير المزاب وسواحل الزاب
خاطي ناس الڤباب حاشى الاوليا تسوى خير السفيل نجمة عقب الليل اقليل اقليل في ختي طب دوايا
ڤلبي سافر مع الضامر حيزية
ووراء كل تعيس امرأة أيضا ، مثلك يا جازية رغم أنك أنجبت لكن ما بالأطفال نجتذب الرجال ﻷنهم ليسوا جمهور ألعاب سحرية نخدع أبصارهم بل كائنات تدوم طفولتها حتى القبر لذا يصعب عليها نسيان الكذب والخداع.
لكن لا تحزني لست وحدك من هذا النوع بل عليك ﺃن تفرحي لست أسوا من ماري أنطوانيت التي أتعست مملكة بأكملها ليس رجلا واحدا فحسب.
ألم تكوني تعلمي أن الحياة على قدر كبير من الأناقة تبتسم فقط و لا تضحك لأحد إلا إذا سخرت منه
وأنت سخرت منك يوم أهدتك حبا يتوسد التضحية وترقد الكرامة عند قدميه
[1] شعارات المهاجرين بطريقة غير شرعية (الحراقة)
=====
فصل من رواية (اليوم الثامن) للروائية /بن عزيزة صبرينة, الصادرة سنة 2011 عن دار الغرب وهران
التعليق